على الرغم من الإنهيار الكامل والدمار الشامل والأزمات التي تتناسل في عهد الرئيس عون، إلاّ أنك تجده هادىء، متّزن، مبتسم طوال الوقت، ينام كثيراً، لا يعاني من الأرق، عكس أكثرية الشعب اللبناني، وجهه مرتاح، صحّته جيّدة، أدويته مؤمنة، عائلته الصغيرة محميّة في قصور مسيّجة، جامعات ومدارس أحفاده ليست مقفلة عكس الجامعة اللبنانية والمدارس الرسمية والكثير من المدارس الخاصّة، مستقبلهم مضمون داخل لبنان وخارجه، عكس أكثرية شباب وطلاب لبنان، لا شيء يقلق الرئيس عون سوى مستقبل صهره السياسي، يريد لزوج إبنته شانتال ان يكون وريثه السياسي بدون اي معوقات او عراقيل، يعمل المستحيل لرفع العقوبات عنه، يريد أن يعبّد أمامه طريق بعبدا دون مطبات ولا جور عكس أكثرية الطرقات في لبنان، من أجل ذلك تنازل عن ١٤٣٠ كلم مربع من مياه لبنان وثرواته دون أن يرف له جفن، ومستعد أن يذهب أبعد من ذلك من أجل زوج صغيرته، لا شيء يقلق الرئيس عون أو يأرقه، تجده واثق الخطى يمشى جبلاً نحو الإنهيار، والبلد متجه بسرعة فائقة نحو المهوار وهو مبتسم، لا يهمه ما يُقال وما يُكتب عن عهده، أصلاً هو لا يقرأ ولا يسمع ما يُقال وما يُكتب عنه، يكتفي بما يسمعه من بناته وبعض المستشارين المطبلين والمزمرين والمنتفعين أمثال الجريصاتي والقسطنطين، وهو مقتنع بأن عهده نجح لمجرد وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى، والباقي كله تفاصيل. يغتبط الرئيسعون ويشعر بسعادة غامرة عندما يكون مستلقياً في تخته مع السيدة الأولى وهي تتابع مسلسلاً لبنانياً، ثم تظهر صورته معلقة على جدار خلف مكتب، تنظر السيدة الأولى إليه وعيونها تفيض فرحاً، يبتسم الرئيس ويمسك بيدها وكأنه يقول لها : وصلت إلى هنا بفضل دعمك ووقوفك إلى جانبي. هكذا وبهذه البساطة يعيش الرئيس عون لا همّ يشغل باله سوى التفكير بكيفية تسليم هذا المجد وذلك الإرث وذاك الجاه وتلك السلطة إلى صهره زوج إبنته الصغرى غنوجة البيت حبيبة قلب بابا. لا يريد الرئيس عون وهو في نهاية عهده، أن يعكر مزاجه أي شيء، وهو يعيش حياةهانئة في ذاك القصر الجميل، وحدائقه الغنّاءة، لا يريد أن يسمع أخبار لا تعنيه تخصّ ذاك الشعب الذي وصفه الجنرال يوم كان في الرابية ب"الشعب الطزّ"، هذا الشعب الذي يعاني من ضياع جنى عمره ومستقبله ومستقبل أبنائه، والغارق في هموم يومية تبدأ بتأمين ربطة الخبز وتعليم الأولاد وتأمين البنزين للذهاب إلى العمل -هذا إذا كان هناك عمل- والمازوت لتأمين التدفئة في شتاء قاسٍ راغب بالتمديد كالرئيس تماماً. ما يعني الرئيس عون حماية بعض المتهمين بتفجير المرفأ المحسوبين عليه ولا يهمه، بل يعرقل كشف المسؤولين عن ذاك التفجير، وهو واحدٌ منهم لأنه كان يعلم ولم يفعل شيء. لا يهمه معاناة أهالي الضحايا والشهداء، ولا يشعر معهم، لأنه معروف بتنكره لتضحيات الشهداء. كيف يشعر مع هؤلاء وهو الذي لم يشعر مع جنوده الذين تركهم في المعركة وهرب إلى السفارة الفرنسية ومن ثم إلى فرنسا، وعندما أصبح على علو آلاف الأقدام، أرسل لهم رسالة تقول بوجوب تلقي الأوامر من العماد اميل جميل لحود!!! هو نفسه الرئيس الذي ذهب إلى سوريا وإلتقى مع رأس النظام الذي قتل جنوده وأسر الآلاف منهم ومن اللبنانيين ولم يكلف خاطره بالسؤال عنهم ولو من باب رفع العتب. وتسألون كيف لرجل في العقد التاسع من العمر أن يعيش كل هذا الهدوء وهذه السكينة ويكمل ولايته وعينه على التمديد في حال تعثّر في إيصال صهره لوراثة الكرسي الذي قضى أكثر من نصف عمره وهو يلهث للوصول إليها؟؟!! الرئيس عون لا يشغل عقله ولا قلبه بأي هموم سوى هموم عائلته الصغرى. وكل ما يعاني منه الشعب يعتبره من صنع يديه، لأنه لم يمشِ وراءه مبايعاً ومصفقاً. وكأني به يقول وهو يشاهد طوابير الذلّ أمام محطات المحروقات وأمام الأفران وعلى ابواب المصارف والمستشفيات "بيستاهلوا الله لا يقيمن". سيكتب التاريخ عن هذا الرئيس الذي دمّر لبنان وهو يبتسم، وسيكتب كريم بقرادوني عن هذا العهد الجهنمي بما يرضي رئيسه والحاشية، وسيعطيه مبررات وأسباب تخفيفية كعادته، لكن كل من عاش هذا العهد، سيروي قصصه وأخباره للأولاد وللأحفاد، وسوف تتناقل الأجيال المتعاقبة قصّة قصيرة تختصر أحوال هذا العهد وأهواله تقول: في عهد الرئيس ميشال عون، جاء الجراد إلى لبنان، فلم يجد ما يأكله، لان العهد الجهنمي لم يبقِ لا أخضراً ولا يابس.