لم يكن السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله، بحاجة لأكثر من ساعة ونصف، لإفهام اللبنانيين الصابرين بأنّ النائب الذي ينتخبه الناس( المفترض أنّهم يمتلكون ما يكفي من حرية الفكر والتعبير والإختيار) لا يُمثّل عائلته ولا طائفته ولا منطقته ولا عشيرته، ولا "سيده"، ولا شخصه الكريم حتى، بل هو يُمثّل حزب الله، وما يختزنه هذا الحزب من عقيدةٍ ومنهاجٍ وسياساتٍ وأهدافٍ وجهادٍ وطموحاتٍ ورغباتٍ ومقاصد، مع غضّ النظر مؤقتاً عن خدمة الوليّ الفقيه في إيران، ذلك أنّ مقتضيات الحملة الانتخابية الحالية تقتضي ذلك، والمفارقة الغريبة، والتي لم يقصدها ربما السيد نصرالله، هي نزع تلك الفكرة الراسخة في أذهان الجميع، بأنّ البديهي والمتعارف عليه بأنّ "النائب" يُمثّل الأمّة بكاملها، لأنّه طالما شاءت الأقدار أن يدخل شخصٌ ما الندوة البرلمانية حتى يصبح مسؤولاً ومؤتمناً عن مصير الوطن والمواطن، ومصير المؤسسات الدستورية والإدارية والقضائية والإجرائية، هذه الفكرة الراسخة والبديهية ينسفها السيد نصرالله من أساسها، والله علّام الغيوب وحده يمكن أن يكشف ما هو مستورٌ، وما هو غامض ومُبطن، وما هو في حكم"التّقيّة" عند السيد نصرالله، الذي بدأ خطابه الإنتخابي بجملة من التمهيدات والمناورات والتّعميات، حول ما أثارته بعض وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي، عن تحالفاتٍ للحزب مع عملاءَ وفاسدين ومشبوهين، ومُصنّفين كنفايات سياسية، وكان لافتاً تكرار السيد نصرالله عدّة مرات لفظة "قد"، قد نتحالف وقد لا نتحالف، قد نُؤيّد وقد لا نؤيد، قد نُقدِم وقد نُحجِم، قد نُوفّق وقد لا نُوفّق، وهذا يتضمن قسطاً كبيراً من الإلتباس والغمغمة، ويقرب كثيراً من قول البصارة:" أمامك طريقان"، أو عندك ناس يحبوك، وناس يكرهوك"، أو قول الداعية السياسي الذي يدّعي العلم: إنّ لهذه الظاهرة أوجهاً سلبية وأوجهاً إيجابية"، فذلك ضربُ من الكلام يتمتّع بقسطٍ كبيرٍ من الإحتمالات والتّأويلات دون أن يعني ذلك قيد أنمُلة أنّه من العلم والواقع في شيء، وربما يبقى ذلك مفيداً حصراً، عند البيئة الشيعية الحاضنة التي تنتخب على الولاء والسمع والطاعة كما يرد في أدبيات الإخوان المسلمين وعقيدتهم.