ماذا فعل المُثقفون والوطنيون والمُعارضون وأصحاب الإرادة السياسية الحُرّة إزاء ما فعلتْهُ وتفعله الثنائية الشيعية( وحزب الله على وجه الخصوص) في عزمها على سلب الدولة اللبنانية سيادتها واستقلالها، وتخريب النظام والكيان والمؤسسات الرسمية، ماذا فعل كلّ هؤلاء الذين تيقّنوا بالنظرية والممارسة والتّجريب سوء العاقبة فيما لو استمرّ الحالُ على هذا المنوال، وماذا عساهم فاعلون؟ في الواقع أنتج هؤلاء المعارضين لسياسة هذه الثنائية جملة من المفاهيم "المُجرّدة": شرعية سلاح الدولة بوجه سلاح الحزب غير الشرعي، سلطة الدولة اللبنانية فوق سلطة الدويلة، النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية، وقف تدفق السلاح الإيراني والمال الإيراني إلى جماعة بعينها( حزب الله)، استعادة قرار الحرب والسلم من يد حزب الله، إلى آخر هذه الشعارات والمفاهيم التي لم ترقَ إلى نظرية متماسكة يعتنقها هؤلاء الغيارى على مصلحة الوطن والمواطن، مفاهيم لا تستمد دلالاتها وصلاحياتها كأدوات عمل إلا إذا انتظمت في إطارٍ موحد ضمن الجسم النظري بأكمله، ذلك أنّنا إذا نزعنا منها كُلاّ على حدة، عادت شعاراتٍ فاقدة لفعاليتها ولا تصلح إلا في عمليات "حرتقة"، إذ يلجأ المحرتق إلى تركيب معطيات وإعادة تركيبها، وفكّها وإعادة تركيبها إلى ما شاء الله تعالى. وإذ أعتبر نفسي في طليعة "المحرتقين" منذ زمنٍ ليس ببعيد، أي زمن اتّكلنا فيه على الله وشرعنا في الحرتقة على الثنائية الشيعية، التي تحوز على منظومة جبارة في التنظيم وإمكانيات هائلة من المال والسلاح والرجال والنساء والإيديولوجيا الدينية، لذا نجدنا اليوم على أبواب إنتخابات نيابية قادمة (هذا في حال سمحوا بإجرائها)، لا نملك في جعبتنا الفكرية إلاّ شتاتاً ونتفاً من بُنى نظرية متفرقة تعود إمّا إلى حقل ثقافي آخر، وإمّا إلى مرحلة تاريخية أخرى، وإمّا إلى فروع معرفية أخرى لم نُحسن التّمرّس بها: مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، محاربة الإرهاب التكفيري، العلمانية التقدمية واليسارية، نبذ العنف والطائفية، محاربة الإقطاع السياسي، نتفة ضرورية من الماركسية،مسحة خفيفة من الوجودية، ثلاث أو أربع نتف من التراث الإسلامي( الشيعي على وجه الخصوص)، ولا بأس من بضع نتف من علم الإناسة. هذه هي ربما بعض أحوال الذين يأملون خيراً في التّصدي للثنائية الشيعية، وخاصةً ضمن بيئتها، وكل هذا مع عدم علمنا أين تذهب الأموال الطائلة التي يُتّهم بقبضها معارضو الثنائية، لكسر شوكة المقاومة "المقدسة" والإنقلاب عليها، والأمور تذهب للأسف الشديد من سيّئٍ إلى أسوأ، ولا شيء يُطمئن، ولا أمل باختراق هذا السياج الدوغمائي الشائك، أمّا الذين يستسهلون ذلك، فيستعيرون لقرعتهم خصلة أو خصلتين من شَعر بنت خالتهم، كما تفعل بشرى الخليل في منطقة صور، ونجاح واكيم في بيروت، وعمر حرفوش في الشمال، ومُغامرون وهواة استعراضات لا تفكّ مغيصاً، أمّا الذين أدركوا صعوبة الأمر ومشاقّه ومخاطره كالرئيس السابق سعد الحريري ومعه تمام سلام، وأخيهم بالرضاعة نهاد المشنوق، فقد ولّوا الأدبار، وهذا كلّه يخضع لتقدير الأخلاط والأمزجة، أكثر مما يخضع للموضوعية والوطنية.