أولاً: نشأت منذر مُتنبّئ جديد...

 


لم يكن ينقص اللبنانيين الصابرين الغافلين في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد هذه الأيام، سوى ظهور "نبيٍّ" جديد، وهي مهزلة جديدة كان يمكن لها أن تمرّ بسلام، لولا أنّ مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان، استفزّتهُ تلك الخطوة الجريئة والوقحة طبعاً، فأوعز إلى إلى أمين الفتوى بالتّقدّم بإخبارٍ أمام النيابة العامة التمييزية، بحقّ المدعو نشأت منذر، الذي يدّعي زوراً وبهتاناً أنّه رسولٌ من السماء، ولعمري هذا كان من قبيل لزوم ما لا يلزم، فاللبنانيون شأنهم شأن سكان المعمورة، على يقينٍ تامّ بأنّ أبواب  السماء موصدة، لا أنبياء ولا رُسُل، ولا كُتب ولا ملائكة يصعدون إلى السماء وينزلون، وهذا المدعو نشأت منذر ضلّ ضلالاً كبيراً، فأقرانُهُ وزملاؤه الأنبياء الكذبَة يملأون الرّحب في لبنان على وُسعه، يسرقون أموال الأيتام والفقراء والمساكين، حتى وصل بهم الأمر إلى سرقة أموال الشعب اللبناني الصابر جهاراً نهاراً، وما تزال "نبوءاتهم" وخزعبلاتهم وأضاليلهم تقرع مسامع المواطنين ليل نهار، وهؤلاء "الأنبياء"  الكَذَبة تجدهم أنّى توجهت وقصدت، في المناصب الحكومية والمؤسسات الرسمية، والمقاعد النيابية، يشغلون مناصب عليا في الأحزاب السياسية والمنتديات، في الهيئات الدينية والعلمانية، مشكلة نشأت منذر أنّه لم يجد له مكاناً آمناً في صفوف هؤلاء الحكام-الأنبياء الكذبَة، فجاء بكذبةٍ "مفضوحة": رسولٌ من السماء لأهل الأرض، وهذا ما يمكن أن يُعرّضه لأحكام قانون العقوبات اللبناني.

 

 

ثانياً: مُتنبّئ زمن الخليفة العباسي المأمون...

 


كان الخليفة العباسي المأمون وقاضي القضاة يحي بن أكثم أكثر رأفةً ورزانةً مع "نبيٍّ" انتشر أمره زمن المأمون، فقال المأمون للقاضي: هيّا بنا لنرَ حال هذا المتنبئ، فتنكّرا وقصداه، وقالا لحاجبه: إئذن لنا بالدخول إليه، فقد آمنّا وصدّقنا به، فدخلا واستقبلهما، وجلس المأمون عن يمينه، وبن أكثم عن يساره، فقال له الخليفة: إلى من بُعثتَ؟ قال: للناس كافة، فقال: هل تُناجى أم يوحى اليك، أم يأتيك ملاكٌ من عنده؟ فقال: بل يأتني الملاك جبريل، قال: ومتى جاءك آخر مرة؟ قال: منذ ساعة، فقال له الخليفة: فماذا أوحى لك، قال: أخبرني بأنّه سيدخل عليك رجلان، فيجلس أحدهما عن يمينك، والآخر عن يسارك، فأمّا الذي عن يسارك فهو ألوطُ خلق الله ( وكان القاضي يحي بن أكثم يُرمى باللّواط)، فخرجا من عنده وهما يتضاحكان.