فإن ما نشهده في هذه الحقبة هو ايرنة لبنان بكل ما للكلمة من معنى والايرنة هنا لها للاسف منشأ ديني مستمد من الفتوحات الاسلامية في العصور الغابرة وهي حتما اكثر من مجرد إحتلال .
 


يدور هذه الايام ما يشبه النقاش غير المباشر، إن في الاعلام أو داخل اروقة الرأي العام  حول التوصيف الدقيق لحالة حزب الله بوصفه فصيلا عسكريا ايرانيا يسيطر على مفاصل الحكم في لبنان وهل يمكن اعتبار هذه الحالة الشاذة بمثابة احتلال ايراني للبنان؟! مع " إشكالية " عدم تواجد قوات عسكرية ايرانية كما هو حال المفهوم الكلاسيكي للإحتلالات 


ولحسم هذا النقاش من وجهة نظري المتواضعة، لا بد اولا من حسم تعريف الهوية السياسية التي يحملها افراد ومناصرو الحزب، وهنا لا بد من الاشارة بأن الحديث عن "الهوية السياسية" لا علاقة له بمكان الولادة ولا مدخلية فيه لدوائر النفوس والشؤون الادارية، وانما تحدد حصرا بالاعتقاد والثقافة ومن ثم بالاداء والانتماء تماما كما الانتماء الديني والمذهبي.

 

فبالامكان ان تجد مسلما مولودأ من ابوين مسلمين ومسجل على هويته بانه مسلم ولكنه في الواقع هو اختار المسيحية دينا له، ويمارس كل الطقوس المسيحية فيذهب كل يوم أحد الى الكنيسة ويعمد أولاده ويقدس ويحمل شعار الصليب في عنقه ويدعو الاخرين لاعتناق المسيحية، ويصرح يوميا انه على الدين المسيحي، فهذا الشخص لا يمكن ان نناقش بدينه واعتقاده بحجة انه مسجل على هويته انه مسلم ( ويصح العكس طبعا )

 

 

وكذلك هي الحال مع حزب الله قيادة وافراد ( باستثناء المخدوعين منهم )، فالانتماء الى فكرة ولاية الفقيه بمحمولاتها ومقتضياتها الحقيقية، هي وحدها كفيلة بإستحالة المنتمي ليس فقط الى الهوية الايرانية بالمعنى الجغرافي، ( فقد تجد ايرانيين ليسوا مع ولاية الفقيه)، بل ان يتحول صاحبها الى إيراني اكثر بكثير من بعض الايرانيين، فهو ايراني بالفكر وبالسياسة وبالاعتقاد وبالمصالح والثقافة والمذهب والانتماء والولاء واسلوب الحياة وحتى المشاعر فيفرح بقرار ويحزن بقرار، وصولا الى الصلاة والصوم وادق تفاصيل حياته ومستقبله وحتى مماته.

 

 

وعليه، فمع "ولاية الفقيه " لم يعد الحديث يختصر عن إحتلال او عدمه، وانما يتعداه الى اكثر من ذلك بكثير، فإذا كانت الاحتلالات التي عايشناها وعرفناها كلبنانيين قوامها منذ العثمانيين حتى الاسديين مرورا بالاسرائيليين والفرنسيين، كانت تلحظ خصوصية لبنان الثقافية والحياتية، وجل ما تبغاه هو الاستفادة من خيراته وجعله في فلكها وتحت نفوذها السياسي، فان ما نشهده في هذه الحقبة هو " ايرنة " لبنان بكل ما للكلمة من معنى، و"الايرنة" هنا لها للاسف منشأ ديني مستمد من الفتوحات الاسلامية في العصور الغابرة وهي حتما اكثر من مجرد إحتلال .