مع أنّ أيّ عاقلٍ يعلم سلفاً بأنّ الإستماع إلى خطابٍ جديدٍ لرئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، فيه مضيعةً للوقت، ومجلبةً للهمّ والإشمئزاز، إلاّ أنّ الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، والتي تُحيطُ بالمواطنين أجمعين( بما فيهم من فقدوا صوابهم ورُشدهم من هذا العهد القوي) تدفع بنا جميعاً للإستماع إلى ما يمكن أن يتفوّه به الرئيس عون، بعد الإنهيارات المأساوية على كافة المستويات السياسية والأمنية والإجتماعية والاقتصادية والإدارية، ولم يُخيّب عون ظنّ أحدٍ من المواطنين بإطلالته التلفزيونية مساء أمس، فالرجُل ما زال على دأبه منذ أكثر من ثلاثة عقود في نثر الأضاليل والأوهام، وهو لا ينفكّ عن تضخيم الذات، أو نفخها بشكلٍ مبالغٍ فيه، ولم يرعوِ منذ أن ولّاهُ رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل مهام حكومة عسكرية عام ١٩٨٨ تُمهّد لانتخاب رئيس جمهورية شرعي، عن القيام بمغامرات عسكرية فاشلة ذات اليمين وذات الشمال، ورفضه الإعتراف بانتخاب رئيسين مُتتاليين لرئاسة الجمهورية، مع ريادته لحملات ترقيع "إيديولوجي"، أي تضليلي لفئاتٍ من اللبنانيين صدّقت دعاويه، والتحقت برَكبه، حتى جاءت ظروفٌ مؤاتية له بعقده تحالفاً "جهنّميّاً" مع حزب الله قادهُ إلى أن يُصبح رئيساً للجمهورية منذ أكثر من خمس سنوات، لتشهد البلاد في عهده أسوأ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمعيشية والحياتية، وذلك بفضل فساد حاشيته، وعلى رأسهم صهره الوزير السابق جبران باسيل، وفي ظلّ رئاسته وعهده الذي يدّعي الإصلاح والتغيير، تمّت أفضع عمليات المحاصصات الطائفية وتوزيع المغانم بين أركان النظام الفاسد، ممّا أدّى إلى تهديم أُسُس بناء الدولة ومؤسساتها، وذلك بفضل تحالفه مع زعيم "المنظومة" التي ادّعى بالأمس امتعاضه منها، وعزمه على محاربتها والتّصدي لها، في حين يعلم الجميع مدى حاجته الماسّة لدوام تحالفه مع حزب الله، رغم انكشاف دور هذا الأخير في وضع اليد على مقاليد الأمور في البلد ومؤسساته، خدمةً لمخطّطات إقليمية ودولية لم تجرَّ على البلاد والعباد سوى الخراب والدمار والإنهيارات الشاملة.

 


للأسف الشديد، لم تستدعِ كلمة الرئيس عون بالأمس عند المواطنين سوى الإمتعاض والغمغمة ومطّ الشفتين، والإستسلام لمزيدّ من اليأس والقنوط والضياع، الناتج عن التنازلات المتلاحقة، والبهورات الفارغة والفساد المستشري.