واقعياً، لم يعد ثمة مجال لنكران حقيقة أن البلد بات بلا صمام امان، وخطوات قليلة تفصله عن النهاية المشؤومة. ولم يعد ثمة مجال لنكران حقيقة أن ابتلاء البلد الأكبر هو بوصاية هي الأسوأ، فرضها حكام قاصرون على لبنان واللبنانيين، وقدموا للقاصي والداني أردأ نموذج في ادارة الدولة ومقدراتها. ومع ذلك يدفنون رؤوسهم في وسخ الأزمة الذي كوّموه، ويحجبون جريمتهم بتكرار مملّ لأسطوانة الدّجل السياسي والشعاراتي التي مَقتها اللبنانيون، وبالاسهال في كلام فارغ لا يحجب حقيقة اعلاء حساباتهم السياسية والحزبية فوق كل اعتبار آخر، واسترخاصهم البلد وأهله امام مقعد نيابي هنا وهناك.

 

 

سياسياً، الحكومة مركونة على رصيف التعطيل، والكلام حول امكان عودة مجلس الوزراء الى الانعقاد ليس واقعياً، بل صار أقرب الى الملهاة التخديرية، وهو ما تؤشر إليه الاجواء الحكومية حيث باتت مصادر وزارية لا تتردد في الاعراب عن تشاؤمها بأنّ هذا التعطيل يبدو انه سيستمر من الآن وحتى الانتخابات النيابية، الا اذا طرأ أمر ما، في لحظة ما، فرض عودة الحكومة الى الانعقاد لاحتواء تداعيات ما قد يحصل.


وفي الجانب الآخر للازمة الداخلية، تخوفت مصادر سياسيّة من تفاقم الامور على الحلبة القضائية يُخشى معه ان يؤدي الى اشتباك خطير. وذلك غداة ما جرى تعميمه بالامس، في ما خص النائب علي حسن خليل، وكيفية تنفيذ مذكرة التوقيف التي اصدرها المحقق العدلي القاضي طارق البيطار في حقّه.

 

وقالت مصادر مسؤولة في الثنائي الشيعي لـ"الجمهورية": الاستهداف واضح، والتسييس واضح، والقاضي البيطار "عم يشتغل سياسة"، هناك من هو مصرّ على ان يلعب لعبة خطيرة لطالما حذرنا منها ومن تداعياتها. هذا الأمر ان استمر ستكون عواقبه وخيمة.


ورداً على سؤال عما اذا كانت ثمة محاولات جدية لتوقيف النائب خليل بعد انتهاء الدورة العادية لمجلس النواب، اي بعد آخر السنة، قالت المصادر: لا نقول اكثر من أننا نأمل، لا بل نتمنّى جدياً الا يكون احد، في اي موقع كان سياسياً او قضائياً، يفكّر حتى في قرارة نفسه، في ان يُقدم على هذا الأمر.

 

 

وفي هذه الاجواء، تبدو العلاقات الرئاسية جمراً تحت الرماد وفوقه، وعلى ما يؤكد العارفون بخفايا العلاقات الرئاسية لـ"الجمهورية" فإنّ طريق القصر الجمهوري والسرايا الحكومية، وعلى رغم مما يقال عن تعاون وانسجام بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، باتت محكومة بما يمكن وصفه بـ"سوء تفاهم" حول انعقاد مجلس الوزراء، بين موقف عون الذي يحث ميقاتي على دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد بمن حضر، وموقف ميقاتي الذي يشترط توافقاً سياسياً يسبق مبادرته الى انعقاد مجلس الوزراء، ويتجنّب اي خطوة من شأنها ان تشكل استفزازاً لأي طرف.


على أنّ طريق القصر الجمهوري وعين التينة، وعلى ما تقول مصادر موثوقة لـ"الجمهورية": "مزروعة بتوتّرات ومقاربات متناقضة حيال امور مختلفة، وعلى وجه الخصوص حيال السبب الجوهري الذي يفاقم الازمة الراهنة، والمرتبط بملف التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، والذي بات واضحاً لعين التينة ما تسمّى "شراكة" رئاسية وقضائية مع الفريق السياسي المحسوب على بعبدا، في التغطية على التسييس والاستنساب والاستهداف الذي نحا اليه المحقق العدلي القاضي طارق البيطار. وكذلك في تغطية تجاوز الاصول القانونية والدستورية التي يمعن البيطار في ارتكابه".