بعد الدخول الفرنسي على خط الأزمة اللبنانية - السعودية، ونجاح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته للرياض ولقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في كسر القطيعة السعودية تجاه لبنان، باتصال ثلاثي ضمّهما الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، تلاه بيان فرنسي - سعودي مُشترك بخصوص لبنان، وذلك إثر استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي والتي وُضعت ورقة «حسن نية» لبنانية في يد ماكرون مدخلاً للبحث مع السعودية، عوّل أفرقاء لبنانيون ومن بينهم ميقاتي على متابعة الاتصال والبيان بخريطة إجراءات سعودية إيجابية تجاه لبنان، خصوصاً أنّ فرنسا راعية «إعادة العلاقات» وتتابع هذه المبادرة، لكن حتى الآن لم تُستتبع «العودة السعودية» بأي إجراءات، ولا حتى بالعودة عن القرارات المتخذة ضدّ لبنان إثر تصريح قرداحي، مثل عودة السفراء والتراجع عن وقف الاستيراد.

تعتبر مصادر قريبة من ميقاتي أنّ البيان الفرنسي - السعودي بعد الاتصال الثلاثي يشير الى رغبة سعودية في إعادة التواصل مع لبنان وفتح صفحة جديدة بين الدولتين، وترى أنّ هناك مصلحة لدى دول الخليج بأفضل علاقات عربية ـ عربية لأنّ هذا يساعدها أيضاً في الملفات الإقليمية. لكن بعد مرور أسبوع على ذلك الاتصال والبيان، لم تظهر أي خطوات خليجية إيجابية تجاه لبنان بعد، في حين أنّ بن سلمان يؤكد في بيانات مشتركة مع كلّ من دول الخليج التي يزورها «أهمية إجراء إصلاحات شاملة تضمن تجاوز لبنان لأزماته وحصر السلاح في مؤسسات الدولة الشرعية، وألّا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات الارهابية التي تستهدف أمن المنطقة واستقرارها كـ»حزب الله» الارهابي، ومصدراً لآفة المخدرات المهدِّدة لسلامة المجتمعات»، تماماً مثلما صدر في بيان مشترك مع البحرين أمس.

 

وترى جهات سياسية أنّ هذا الموقف الخليجي يشير الى أنّ لبنان مطلوب منه اتخاذ خطوات جدية لكي يتمكّن من إعادة وصل ما انقطع مع هذه الدول كما يُمنّي النفس.


من جهته، ما زال ميقاتي ينتظر بشائر خليجية إيجابية، معولاً على الراعي الفرنسي، كذلك على جامعة الدول العربية ومصر. وتعتبر المصادر القريبة من رئيس الحكومة، أنّ زيارته أمس الأول لمصر نتج منها أمران أساسيان:


- الأول، قرار بمساعدة لبنان على مستوى الغاز المصري إن لجهة الكميات أو بالنسبة الى الأسعار، فالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أخذ مبادرة إيجابية جداً تجاه لبنان، يُعوّل عليها، مثلما اتُخذت مبادرات من العراق والأردن وسوريا على صعيد إيصال الغاز أو الكهرباء الى لبنان عبر أراضيها، وبالتالي إنّ هذه البلدان الأربعة لعبت دوراً إيجابياً تجاه لبنان على مستوى مساعدته في هذه المرحلة.

 

- الثاني، على مستوى العلاقة اللبنانية - السعودية وبعض دول الخليج، بحيث أُطلقت خلال زيارة ميقاتي للقاهرة، مساعدة لبنان على هذا المستوى بحيث تكون مصر رافعة بالتوازي مع الرافعة الفرنسية، إذ إنّ مساهمة دولة عربية في رأب الصدع العربي - العربي عنوان أساس، فأي تقارب عربي - عربي صيغة قوة للجميع، خصوصاً في ظلّ ارتفاع حدة الملفات الإقليمية، والتقارب العربي يُعطي المصالح الأساسية للعرب قدرة على تكوين صيغة فرض لها، وإلّا إذا كان هناك تشرذم عربي ستكون العناوين على المستوى الإقليمي أضعف. وإنّ تأدية مصر، كدولة عربية كبرى لها تاريخها وحضورها وعمقها على المستويين البشري والاقتصادي، دوراً في هذا المجال يساعد جداً، ورسالة أساسية، سواء كبلد عربي يلعب دوراً متوازياً مع المبادرة الفرنسية، أو كونها مقرّاً لجامعة الدول العربية.

 

أمّا الدور الذي يُمكن أن تلعبه مصر على هذا الخط، فقد يكون بحسب المصادر نفسها، تقريب وجهات النظر بين لبنان والسعودية ودول الخليج الأخرى أو المساهمة في عودة السفراء والبعثات الديبلوماسية الخليجية الى بيروت واللبنانية الى عواصم الخليج، أو من خلال السعي الى تحديد موعد لزيارة خليجية لميقاتي في مرحلة لاحقة. وتعتبر أنّ هذه الخطوات المطروحة تعكس رسائل بكسر جدار المراوحة السلبية التي كانت قائمة بين لبنان والسعودية، كبداية يليها خطوات جديدة إيجابية.


في الموازاة، وفي حين كان يُعوّل أن تنعكس الحلحلة في الأزمة مع السعودية، حلحلةً لعقدة «البيطار - الحكومة»، حصل عكس ذلك، وما زال «الثنائي الشيعي» متمسكاً بإيجاد حلّ لعمل قاضي التحقيق في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار شرطاً لتحرير مجلس الوزراء وانعقاده. ويرى البعض أنّ العقدة مُعرّضة للتأزُم بعد طلب البيطار أمس تنفيذ مذكرة التوقيف الصادرة في حق النائب الوزير الأسبق علي حسن خليل.


وفي حين يُحكى أنّ ميقاتي «تأقلم» مع هذه الحال الحكومية ويعمل صارفاً النظر عن دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد، تؤكد المصادر القريبة منه أنّه «لا يزال يعمل على انعقاد مجلس الوزراء، وهذا الأمر مستمرّ وغير متوقف في أي لحظة، إنّما هذا لا يمنع إذا لم يجتمع مجلس الوزراء نتيجة الأمور المعروفة، أن تسير الملفات على مستوى الوزراء أو اللجان الوزارية التي تجتمع في السرايا الحكومية». وبالتالي، إنّ ميقاتي يعتمد عملياً الآن «فن الممكن»، مع المحاولة المستمرّة لعقد مجلس الوزراء.

 

 

وإذ تشدّد المصادر إياها على أنّ «ميقاتي واضح، لجهة أنّ صيغته السياسية وسطية، ولا يمكنه في هذه المرحلة الّا أن يلعب دوراً وسطياً، ما يعني عدم افتعال صدام مع أي فريق لبناني في هذه المرحلة، خصوصاً أنّه يعتبر أنّ لبنان في غنى الآن عن صيغ الصدامات والتحدي»، توضح أنّ «الخط الأساس الاستراتيجي الذي يعتمده رئيس الحكومة، أن تكون دعوة مجلس الوزراء الى الاجتماع صيغة جمع وليس صيغة تفرقة، وهذا الأمر بالنسبة إليه أساس، وهو لن يدعو الى جلسة لمجلس الوزراء الّا حين تنضج الحلول. ولن يدعو اليها على قاعدة «ليحصل ما يحصل»، بل أن تكون هناك خريطة طريق ليكون مجلس الوزراء جامعاً للبنانيين وأن تحقق نتائج جيدة من انعقاده، والّا ستكون الدعوة تحدياً، في ظلّ نزاع دولي وإقليمي، بحيث نستجلبه الى الأرض اللبنانية ومجلس الوزراء».


وفي حين لا تنكر المصادر القريبة من رئيس الحكومة أنّ هناك حاجة ملحّة الى انعقاد مجلس الوزراء، تذكّر بأنّ هذه الدعوة أُطلقت الى جميع الأفرقاء السياسيين، فصحيح أنّ ميقاتي رئيسٌ للحكومة لكنّه ليس مسؤولاً منفرداً عن انعقاد مجلس الوزراء، فهناك رئيس للجمهورية ورئيس لمجلس نواب وأفرقاء سياسيون مشاركون في الحكومة، يشكّلون مجتمعين التركيبة السياسية المسؤولة عن كلّ أمر في البلد، وهو وضعهم أمام مسؤولياتهم.