حان الوقت أن تدرك السلطة في لبنان، أن مسؤولياتهم تقضي بالتعامل بشكل مختلف كلياً لما يحصل اليوم، إزاء توسع وتمدد حالات البطالة والفقر وحتى الجوع والحاجة، وحان الوقت أيضا أن يدرك الشعب اللبناني أن الحديث عن ارتباط مشاكله بمشاكل إقليمية ودَولية، وعن حلول خارجية ستهبط عليه بالمظلة في المستقبل القريب، هو عبارة عن أوهام غير صحيحة، وعن خدع مقصودة يراد منها إبقاء اللبنانيّين في حالة خضوع دائمة، بعيدًا عن أي محاسبة للمسؤولين الحقيقيين عن مشكلات لبنان وشعبه.
 

هناك ميل عند بعض اللبنانيين بأهمية لبنان في صراعات المنطقة والعالم، والكثير من السياسيين يعيشون وهم هذه الاهمية، بهدف اعطاء اللبنانيين آمالا وهمية، في محاولة للتنصل من المسؤوليات عن الأسباب الجوهرية للأزمات الداخلية، وفي محاولة للهروب من تحمل النتائج الناتجة عنها وفي هذا السياق، يتمّ حاليا الرهان بشكل متزايد عن جولة محادثات الرئيس ماكرون الخليجية، وعن المفاوضات بين إيران والدول الغربية بشأن برنامجها النووي، وكأن الحلول لمشاكل لبنان ستدخل حيز التنفيذ عند انتهاء هذه المفاوضات الاقليمية الدَولية.

 

 

 ماذا يعني ذلك، فبحسب نظريّة المتفائلين إن الرئيس الفرنسي الذي كان صاحب مبادرة إنقاذ لبنان بعد انفجار 4 آب ، سيلعب دور الوسيط خلال زيارته الحالية لكل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر، وذلك لإعادة المياه إلى مجاريها بين لبنان والدول الخليجيية. لكن هذا رهان خاطئ ومبالغ فيه لأقصى الدرجات، فأهداف زيارة الرئيس الفرنسي إلى الخليج الأساسية في مكان اخر ولربما الموضوع اللبناني ثانوي وليس اولوية . ومن الضروري الإشارة إلى ان أزمة تعطيل الحكومة في لبنان حاليا داخلية، وغير مرتبطة بتدهور العلاقة مع الدول الخليجية، حيث أن الثنائي الشيعي عطل اجتماعات الحكومة، ولا يزال، بسبب خلاف قضائي مرتبط بتحقيقات انفجار المرفأ، وتحديدا برفض الثنائي النهج المعتمد من قبل المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار للوصول إلى الحقيقة.

 

 

 وللدلالة على محدودية تأثير ماكرون في التفاصيل اللبنانية الداخلية، لابد من التذكير انه بعد انفجار مرفأ بيروت مجمل زيارات الرئيس الفرنسي وضغوطه ومبعوثيه الى لبنان، فشلت في الوصول الى حكومة اختصاصيين غير حزبيين، وها نحن اليوم ندفع ثمن خلافات الجهات الحزبية التي تقف خلف الحكومة السياسية المبطنة. 

 

 

من جهة أخرى، إن مصير الرهان اللبناني على تطور محادثات الجولة السابعة من المفاوضات الخاصة بالاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية، ليس أفضل حالا من الرهان على جولة الرئيس ماكرون الخليجية. فإيران تريد رفع كل العقوبات الأميركية عنها والحصول على ضمانات بعدم العودة عن الاتفاق مُجددا، كما حصل في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ، بينما تريد أميركا، ومن خلفها إسرائيل، منع إيران من امتلاك السلاح النووي كما ترغب الدول الخليجية من جهتها، بالحد من توسع ايران العسكري في المنطقة، وبتحجيم قدراتها الصاروخية القادرة على ضرب مواقع استراتيجية بعيدة. وهنا أيضا الأولويات مختلفة لدى كل المعنيين بهذا الملف، فإسرائيل تريد الحفاظ على أمنها ووقف التهديدات العسكرية ضدها من لبنان وسوريا، والسعودية تريد وقف التهديدات الأمنية ضدها من اليمن، والدول الخليجية تريد تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة ككل، والدول الغربية تريد الاحتفاظ باستقرار الشرق الأوسط وبتأمين خطوط إمداد النفط والغاز، وإيران تريد رفع الحصارعنها بشكل كامل، والملف اللبناني يحضر بشكل خجول ضمن كل هذه الملفات المهمة والمتشعبة، لا أحد مهتم إذا اجتمعت الحكومة اللبنانية أم لم تجتمع وفي ظل التهديدات الإسرائيلية ضد إيران، وعدم تحقيق تقدم كبير على خط المفاوضات هناك احتمال بأن تنتهي الجولة السابعة بخيبة امل، نظرا للمواقف المتشددة من قبل الولايات المتحدة وايران. 

 

 

في الخلاصة، حان الوقت أن تدرك السلطة في لبنان، أن مسؤولياتهم تقضي بالتعامل بشكل مختلف كلياً لما يحصل اليوم، إزاء توسع وتمدد حالات البطالة والفقر وحتى الجوع والحاجة، وحان الوقت أيضا أن يدرك الشعب اللبناني أن الحديث عن ارتباط مشاكله بمشاكل إقليمية ودَولية، وعن حلول خارجية ستهبط عليه بالمظلة في المستقبل القريب، هو عبارة عن أوهام غير صحيحة، وعن خدع مقصودة يراد منها إبقاء اللبنانيّين في حالة خضوع دائمة، بعيدًا عن أي محاسبة للمسؤولين الحقيقيين عن مشكلات لبنان وشعبه.