لأوّل مرة تتمكن المملكة العربية السعودية من صفع خصومها في لبنان من خلال إجبارهم على قلع القرداحي من الحكومة بعد أن ارتفعت أصواتهم بطريقة أثارت فيه ما تتوفر في التربية الوطنية من مواد ومصطلحات سيادية بحيث بانت الكرامة الحكومية آية في سورة السلطة وهذا ما عكف عليه كبار وصغار ممن وجدوا في مواقف القرداحي مثالاً للجندي الذي أضاع بندقيته في لحظة اشتدّ فيها الوطيس وارتفع فيها غبار المعركة .

 


لأوّل مرة تبرز المملكة راكضة وراء مواقفها لم تترك لألعابها أن يتحركوا كي ينشطوا ضد المسيئين لسياساتها بحيث غفل المستقبل عن مجاراة الموقف لعجز تام في فحولته في حين أخذ وليد جنبلاط وبشكل مباشر بعد ارتفاع منسوب المواقف السعودية المقاطعة للبنان مواقف منسجمة تماماً مع متطلبات العودة السعودية الى لبنان من خلال ممر الإستقالة القرداحية وهذا ما زاد من حماسة الميقاتي في تعجيل التجاوب مع المملكة ومطالبة فرنسا للتوسّط في ذلك لطي صفحة الخلاف والإعتراف بحكومة الرئيس ميقاتي وتوفير الدعم اللازم لها .

 


دفع جديد زاد من دعوة المملكة الى لبنان من خلال إيهامها من قبل الفريق الحاكم أن ثمّة تلبية لشروطها رغم محاذير لا يؤمنوا بها من السيادة الى الكرامة الحكومية في ظل أزمة لا طائلة لهم بها وهي تفتك بالمجتمع اللبناني دون أن تطال أركان الطبقة السياسية أو الأحزاب الرئيسية فيها وهذا ما جعل من الأزمة أزمة شعب لا أزمة سلطة ولكن لا إمكانية لإيهم هذا الشعب بالوقوف الى جانيه في محنه القاسية إلا من خلال التلاعب بكثير من الأمور ومن بينها جعل مقدم برنامج من سيربح المليون السعودي كبشاً على مذبح العلاقات اللبنانية – السعودية .

 


حتى اللحظة يبدو ان السعودية في تجاوبها مع سياسة ماكرون للبنان أسيرة تفاعلات مصالح متعددة دون ان يكون لها ما يحدد طبيعة ما ينفعها في بلد كل ما يحتاجه منها هو دعمها المالي وهذا ديدن حلفائها وخصومها معاً وهذا شيء مشترك بين السياسيين اللبنانيين .

 


يبدو أن هشاشة الممانعة في السياسة تجعلهم دائماً على خلاف مع قوتهم اذ ان التذاكي أحد أولاد العبط السياسي لذا يقعون في حفرعلى عدد الحفر المتواجدة في شوارع لبنان ولولا الرئيس بري صاحب الحكمة الوحيدة لما تمكّن هذا المحور من الخروج سريعاً من هذه الحفر حيث يقلّ من الكلام ويُكثر من الأفعال وخاصة فيما يتعلق بعلاقات لبنان العربية والخليجية خصوصاً لذا قلّ ما تسمع عنه أو منه ما يسيئ لدولة عربية يرتبط معها لبنان بمصالح جوهرية ولا يمكن التعويض عن ذلك ببيانات عنترية استهلاكية لا تُغني ولا تُسمن من جوع .

 


بات أمام الحكومة الميقاتية فرصة جديدة لتحسين صورتها عربياً في ظل بقاء الخلاف من قلع القاضي بيطار قيد الدرس أو التأجيل وهذا ما سيبقي الحكومة معطلة من حيث الشكل في حين يندفع الجميع الى ملاقاة تقدم أو تأخر المفاوضات القائمة بين إيرن والدول الكبرى في فيينا وبين إيران والرسول الإماراتي وسط التحضيرات القائمة لإجراء الإنتخابات النيابية في لبنان وما سيرشح عنها من نتائج من شأنها أن تحدد سقوف سياسية جديدة أو أن تُجدّد للسقف السياسي القائم لذا تعيد أحزاب السلطة تنظيم أوضاعها لخوض معركة بحسابات رابحة كونهم يملكون المال والسلطة وعناصر أخرى أكثر قوّة وهي إرادة التحكّم بالشارع بأفعال غير محدودة في ظل بدائل غير متوفرة في بعض الطوائف وأخرى قد تكون موجودة في طوائف أخرى لكنها لا تملك الجزرة ولا العصا وهما الناخبان الأساسيان في المعارك الإنتخابية سواء في لبنان أوفي سائر المشرق .