هكذا أصبح المشهد الاسود، مشابه تماماً لما حصل في الصيف الماضي، فهل نسي اللبنانيون انّ سعر الدولار سبق ووصل الى 24 الف ليرة، في تموز الماضي، قبل ان يتراجع بعد ذلك، ويصل الى 14 الف ليرة عقب تشكيل الحكومة ليعود ويقفز تباعاً الى 25 الف ليرة، وقد يستمر في الارتفاع. ولماذا الاستغراب لوصول الدولار الى هذا السقف فهل ان الوضع اليوم افضل سياسياً ومالياً واقتصادياً مما كان عليه في الصيف الماضي مثلاً، لكي يأمل المتابعون ان يتوقف الدولار عند حدٍ معيّن. 

 

 

في ظل هذا الواقع الاسود، من غير المعروف ما هو الأسوء والأصعب على المواطن اليوم هل استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار، الامر الذي أدّى الى تدهور اضافي في القدرات الشرائية للناس، وزاد نسبة الفقراء أم هو مشهد الفراغ القاتل، حيث تبدو مظاهر الدولة في انحلال تام، حتى بات اللبناني يشعر انّه متروك لمصيره. لا دولة، ولا من يحزنون. 

 


مرت الذكرى للاستقلال  المنهوب والمنكوب، واللبنانيون، على وجه العموم، يضعون اياديهم على قلوبهم خوفاً مما يمكن ان تحمله قابل الايام المقبلة من ازمات، قد تكون مستعصية على الحلول حيث لا ماء ولا كهرباء ولا دواء لعموم الناس، والليرة تواصل  انهيارها ، والازمات المعيشية تحط بكامل ثقلها على صدور المقهورين المعوزين، وتقبض على انفاسهم، وإهل المنظومة السياسية في عالم اخر ،  الانظار تتجه الى وجوب التغيير، وما سترسو عليه مواعيد اجراء الانتخابات النيابية، وما سيكون عليه قرار المجلس الدستوري، ولم يسبق للبنانيين ان شعروا بمثل ما يشعرون به هذه الايام، حيث لا دولة الا بالاسم، وهم متروكون لمصير غامض ومشؤوم، من بينها الهجرة التي ارتفعت نسبتها، وما يحكى عن سيناريوات سوداء بات أمرا واقعا، تؤكد بعض المعلومات ان الانتخابات حاصلة، من غير حسم التباين في المواعيد، في 27 اذار او في ايار العام المقبل، خصوصا وان مواقف الدول الصديقة والشقيقة، تواصل تحذيراتها من عدم  او تعطيل اجراء الانتخابات، وعلى ما نقل عن مصدر دبلوماسي، فإن المعطلين سيكونون في عزلة دولية خانقة، ولن يكونوا بمنأى عن مواجهة عقوبات شديدة القساوة، لم يسبق لها مثيل من قبل ، من خطورة تطيير الانتخابات، بأي ثمن، واذا تعذر بالحسنى، فبالوسائل الاخرى الممكن اللجوء اليها وهي عديدة، من بينها احداث خضة امنية، على الساحة اللبنانية، بما يسهم في تغيير المعادلات ويمنع اجراء الانتخابات، فتستمر الغالبية النيابية، وتنتخب رئيس الجمهورية العتيد من محورها، بعد اشهر لضمان تحكمها بالرئاسة الاولى ست سنوات اضافية، وجديد تفجير مرفأ بيروت انه ما زال في مرحلة المراوحة في ظل الهجمة على القضاء خلاصة القول ، مع الاسف ان الفريق الحاكم، لم يعر اهتماما يذكر للمناشدات الدولية المتواصلة، الداعية الى الحفاظ على حقوق اللبنانيين، واجراء الانتخابات النيابية في موعدها، والعديد من الاوساط السياسية لا تخفي انزعاجها وحذرها من ممارسات اهل المنظومة الممسكين بالفريق الحاكم، الساعين الى تعزيز الشعبوية، ورفض ازاحتها عن السلطة، ايا كانت الوسيلة وايا كان الثمن، ولو بتأجيل الانتخابات، على نحو ما حصل في مرات سابقة . 

 

 

ختاماً السؤال الاساس الذي يُطرح اليوم، يتعلّق بحظوظ أو بنسبة التعويل على عودة الحياة السياسية، كمقدمةً لعودة ضخّ الحياة بالجسم الإقتصادي الذي شارف على نهايته وسط ارتفاعٍ جنوني للدولار مُقابل الليرة. في هذا السياق، المعلومات الإقتصادية تؤكد، بأنه للحلول السياسية أثر كبير على استعادة عجلة دوران الإقتصاد في لبنان، لكن شرط أن لا تأتي هذه الحلول من الطاقة الإنتخابية، بمعنى أن يقوم كل فريق بتقديم تنازلات شكلية لإرضاء جمهوره، من دون أن تترافق هذه التنازلات مع عملٍ ملموس تنتج عنه في نهاية الأمر، نظرة خارجية إيجابيّة تترافق بدورها مع تنفيذ الوعود التي طرحها صندوق النقد الدولي.