تتطاير الإتهامات المتبادلة والعشوائية بالسعي الى ترحيل الانتخابات النيابية فوق رؤوس الناخبين الذين تتجاذبهم الازمات القاسية على خط الفقر او تحته، فيما بعض السياسيين لا يعنيه إلا كونهم أصواتا في لوائح الشطب.

نظرياً، تبدو الانتخابات النيابية حاصلة لا محالة مع مطلع الربيع المقبل. نحو ربع مليون مغترب أصبح يملك حق الاقتراع بعد انجاز معاملات التسجيل في الخارج وهو رقم شكل مفاجأة للبعض، القوى الداخلية تنكبّ على استكمال تحضيراتها اللوجستية والسياسية استعدادا لـ"معركة البقاء"، والمجتمع الدولي يضغط بكل ثقله لإجراء الاستحقاق النيابي ربطاً بحساباته الخاصة.


 

على الورق، مسار إجراء الانتخابات انطلق بزخم يوحي أنّ من الصعب وقفه لعوامل داخلية وخارجية. ولكن، على أرض الواقع، ثمة شعور لدى كثيرين بأن هذا الاستحقاق لن يتم وإنّ حدثا ما سيحتّم تأجيله عند اقتراب لحظة الحقيقة. هناك من يخشى تطورا أمنيا يفرض التأجيل تحت شعار ان السلم الاهلي فوق كل اعتبار وفوق صناديق الاقتراع. وهناك من يتوقع ان يدفع التأزم السياسي او احتمال قبول المجلس الدستوري الطعن الذي قدمه "التيار الوطني الحر" نحو ارجاء موعد الاختبار الانتخابي، خصوصا انه في حال تقرر الاخذ بطلب تخصيص 6 مقاعد للمغتربين في قارات الانتشار اللبناني عوضاً عن التصويت لنواب الداخل، فإن ذلك سيستدعي تنفيذ اجراءات إدارية ولوجستية من شأنها ان تستغرق وقتا طويلا.

 

وهنا، يُتهَم "التيار الوطني الحر" بأنه صاحب مصلحة في عدم حصول الانتخابات في موعدها، على قاعدة ان رئيسه النائب جبران باسيل يفضّل التمديد للمجلس الحالي الذي يشكل "لبنان القوي" التكتل الأكبر فيه، بدل المغامرة باحتمال خسارة هذا الامتياز والتحول "اقلية مسيحية" نيابيا، إضافة إلى ان التيار يفضّل ان يتولى المجلس الحالي بتوازناته الاستراتيجية المعروفة انتخاب رئيس الجمهورية المقبل.

 

وانطلاقاً من هذه الحسابات المفترضة، يعتبر خصوم التيار ان الوظيفة المضمرة والحقيقية للطعن الذي تقدم به هو تضييع الوقت والسعي الى إيجاد مسوغ دستوري لارجاء الانتخابات، بدل ضبطه متلبساً بالجرم المشهود.

 

 

الا ان شخصية قيادية في "التيار" تصر على نفي هذا الاتهام، قائلة: "نحن اكثر من يتمسك بإجراء الانتخابات النيابية واشد المتحمسين لخوضها، ومن يجب أن تُوجه اليه تهمة محاولة التلاعب بمصيرها هو من عبث بقانونها عن سابق تصور وتصميم عبر تعديلات غير مقبولة، وليس من قدم طعناً قانونياً ومشروعاً في تلك التعديلات لإحقاق الحق وإعادته الى اصحابه".

 

وتبدي الشخصية البارزة في القيادة البرتقالية ثقتها في ربح الطعن "اذا تمت مقاربته من زاوية المنطق الدستوري الصرف"، مشددة على ان الطعن محكم ومتماسك لأنه منسجم مع قواعد الدستور والقانون، "وما نخشاه فقط هو ان يلجأوا الى لعبة تعطيل نصاب المجلس الدستوري، إنما اذا فعلوها فسيكونون هذه المرة مكشوفين، ولذا فإن خيار تعطيل النصاب ليس سهلا".

 

وتجزم الشخصية النافذة في التيار بأن الانتخابات النيابية ستحصل "ولكن ليس في 27 آذار المقبل، بل في 15 أيار على الارجح". وتضيف: "هناك طريقة واحدة لكي تتم في 27 آذار وهي ان يتسلّم الجنرال ميشال عون رئاسة مجلس النواب ويتولى الرئيس نبيه بري رئاسة الجمهورية، وعندها يستطيع أن يوقّع مرسوم إجراء الانتخابات في 27 آذار، وما عدا ذلك لا مجال لحصولها في ذلك التاريخ".

 

وتشير الشخصية إياها الى "ان التيار سيخوض بكل ثقله المعركة الانتخابية في كل الدوائر التي يوجد فيها حتى تحسم صناديق الاقتراع المزايدات والمهاترات حول الحجم التمثيلي لكل طرف" إنما وبمعزل عمن سيفوز، فقد ثبت بالتجربة العملية ان الأكثرية النيابية في هذا النظام السياسي لا تُصرف ولا تصنع فارقاً كبيراً، بحيث ان السؤال الكبير الذي سيواجه الرابح على الفور هو: "وبعدين؟".


 

وتلفت الشخصية الواسعة النفوذ في التيار إلى أنه ومنذ العام 2005 وحتى العام 2018 تبدلت هوية الأقلية والاكثرية، الا أن أحداً لم يستطع ان يحكم بمفرده ولم تنتظم السلطة على قاعدة موالاة ومعارضة، وبالتالي فإنّ التغيير الذي يمكن أن تفرزه صناديق الاقتراع نسبي جداً نتيجة طبيعة النظام اللبناني وما تفرزه من خلل".

 

وفيما يرجّح خصوم التيار ان ينقلب السحر على الساحر بعد الأرقام المرتفعة للمغتربين الذين سجلوا اسماءهم للمشاركة في العملية الانتخابية، تعرب الشخصية عن اطمئنانها الى ان المغتربين لن يكونوا قنبلة أصوات موقوتة ستنفجر بـ"التيار الحر" كما يتمنى معارضوه، "بل هو كان أحد المساهمين الأساسيين في تحفيزهم على المشاركة ورفع نسبتها سواء عبر القانون او عبر التشجيع".

 

وبينما بدأت تلوح مؤشرات حول مصير غامض ينتظر أيضا انتخابات رئاسة الجمهورية، تشدد الشخصية نفسها على وجوب إتمامها في موعدها المقرر بلا تأخير "وصَحتين على قلب من يربحها. المهم ان "موديل" الرئيس ميشال سليمان انتهى، ورئيس الجمهورية ينبغي أن تكون له حيثية تمثيلية".

 

اما في ما خص المأزق الناتج من الخلاف حول القاضي طارق البيطار واتهام عين التينة التيار بالمساهمة مع "القوات اللبنانية" في تعطيل النصاب النيابي المطلوب لتشكيل لجنة تحقيق وتحريك المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فإن الشخصية الفاعلة في "التيار" تؤكد الاستعداد لحضور جلسة نيابية تعقد وفق الاصول، من أجل تشكيل لجنة التحقيق واحالة ملف ملاحقة المدعى عليهم الى المجلس الأعلى، لافتة إلى وجود أصول لإطلاق هذا المسار ينبغي احترامها "وليس كيفما كان، واذا تم التقيد بها نحن جاهزون للتجاوب".


 

وتدعو الشخصية "التيارية" بري الى عقد جلسة نيابية على هذا الأساس، و"عندها تُختبر النيات وتُفرز المواقف على حقيقتها".