إذا أردنا نحن اللبنانيين أن نحتفل بالاستقلال يجب أن نفهم أولا معنى الاستقلال ومعنى السيادة ومعنى الإنتماء لهذا الوطن، لأن الاحتفال بالاستقلال ليس مجرد شعارات وبروتوكولات لا تقدم ولا تؤخر في دولة فقدت أدنى مقومات الصمود ولم تعد تقدم ولا تؤخر لدى هذا الشعب الذي يذبح تحت مسمى الاستقلال السيادة الوطنية حسب مقتضيات المصالح الحزبية والطائفية وحسب مقتضيات وخيارات الاقليم.
 

في لبنان فقط تعتبر الاحتفالات بعيد الاستقلال مدعاة للسخرية والتهكم سواء بين اللبنانيين أنفسهم أو بين الشعب والقيادات الرسمية، ذلك أن الاستقلال في هذا البلد لم يكن في يوم من الأيام مناسبة وطنية جامعة عابرة للمذاهب والطوائف والأحزاب، وليس ثمة فهمٌ واحدٌ لمعنى الاستقلال والسيادة في قاموس اللبنانيين، ناهيك عن الخلافات الواسعة والعميقة حول هوية لبنان، هذه الخلافات التي تتصل هي الأخرى بالمزاج الطائفي والخيارات الحزبية.

 

 

الإحتفالات بعيد الاستقلال في لبنان أشبه بمسرحية سيئة الإخراج والممثلين، وتأتي هذا العام أكثر من أي وقت مضى لتؤكد وتثبت من جديد أننا كدولة وكمسؤولين وكشعب لسنا بمستوى قادر أن يعيش باستقلالية كاملة، وبدولة ذات سيادة بالمفهوم الحقيقي للإستقلال والسيادة.

 

 

لم يحافظ اللبنانيون دولة وشعبا على الاستقلال فتلاشت الدولة ومقدراتها بفعل الصراعات الطائفية وبفعل الصراع على الخيارات السياسية، وبفعل حجم السيطرة للأحزاب بمختلف ألوانها عل. مقدرات البلد وقراراته، وقد أصبحت هذه الأحزاب مجرد أدوات تعمل وفقا لمصالح دول خارجية ووفقا لإملاءات ومصالح هذه الدولة فاستطاعت الخروج من وطنيتها، وبالتالي لم يعد الاستقلال في ثقافة فئات كبيرة من اللبنانيين بما فيها من يسمون أنفسهم "مجتمع مدني"  ذو أهمية ولم تعد سيادة لبنان أو هويته في الأولويات بقدر ما تشكله مصالح الدول الراعية أو الداعمة لهذا الحزب أو ذاك ولهذا الفريق أو ذاك ولهذه الجمعية أو تلك.

 

إقرأ أيضا :صفي الدين في بعلبك زيارة الرمق الأخير!!

 

 

 

لم يكن لبنان في تاريخه دولة مستقلة سيدة نفسها، والتاريخ يؤكد أن لبنان كان وما يزال ساحة لتصفية الحسابات والصراعات الدولية وهو البلد الوحيد في العالم الذي يخضع لمشيئة الدول والإملاءات الخارجية، وأما الدولة والرئاسات هي مجرد ديكور لا يقدم ولا يؤخر في رسم الاستراتيجيات السياسية للبنان والمنطقة، ويعلم جميع اللبنانيين أن احتفالات الاستقلال هذه هي مجرد بروتوكولات بلا معنى وأن النشيد الوطني مجرد كلمات لا قيمة لها بانتفاء معناها الفعلي على أرض الواقع.

 

 

أتفه  ما يمكن أن نراه اليوم احتفالات الدولة بعيد الاستقلال في وقت أصبحنا وأصبح جميع اللبنانيين في زمن اللادولة  ونعيش اليوم مرحلة نهاية الكيان اللبناني بلا أمل لأن هناك في هذه السلطة وخارجها من باع البلد بأبخس الأثمان واللبنانيون ما زالوا ضحايا التغيير والسمسرات.

 

 

لعلها الرسالة الخامسة التي يوجهها رئيس الجمهورية للبنانيين بمناسبة الإستقلال، ورسالة الأمس تشبه أول رسالة للرئيس بهذه المناسبة، ولا جديد إلا المزيد من الخراب والإنهيار السياسي والمالي والاقتصادي والعزلة اللبنانية.

 

إقرأ أيضا : لبنان الدولة أم لبنان الحزب؟

 

 

كانت رسالة الاستقلال عبارة عن المزيد من الوعود ومجرد تكرار لما سبقها منذ سنوات، أي منذ بداية هذا العهد الذي سجل نفسه بأنه من أسوأ العهود الرئاسية في تاريخ لبنان، ولسنا بصدد التصويب على رئاسة الجمهورية بل نحن أمام مناسبة وطنية من المفترض أن تكون جامعة لكنها تأتي في وقت الوطن كله بواد واللبنانيون بواد والدولة بواد فضلا عن الأحزاب وما خلفته في تدمير الدولة وعلى رأي المثل القائل  "كل ديك ع مزبلتو صياح"  والحال هذه فلا استقلال ولا سيادة ولا هوية لهذا البلد المسلوب والمطعون من زعمائه وأحزابه وشعبه أولا وأخيرا، ماذا لو كان اللبنانيون صوتا واحدا ويدا واحدة وصفا واحدا في مواجهة الازمة؟ هذا مجرد حلم ليس أكثر.

 

 

إذا أردنا نحن اللبنانيين أن نحتفل بالاستقلال يجب أن نفهم أولا معنى الاستقلال ومعنى السيادة ومعنى الإنتماء لهذا الوطن، لأن الاحتفال بالاستقلال ليس مجرد شعارات وبروتوكولات لا تقدم ولا تؤخر في دولة فقدت أدنى مقومات الصمود ولم تعد تقدم ولا تؤخر لدى هذا الشعب الذي يذبح تحت مسمى الاستقلال السيادة الوطنية حسب مقتضيات المصالح الحزبية والطائفية وحسب مقتضيات وخيارات الاقليم.