ان خطورة الازمة الداخلية وانعكاساتها على مصالح لبنان العربية والدولية تفترض ان تتلاقى القوى المؤمنة بمشروع الدولة وكمجتمع مدني على تحرك شعبي عام يؤمن اليات العمل الديمقراطية وعلى راسها الانتخابات النيابية، للخروج من المعادلة السياسية الراهنة، وبالتالي التهيئة لتشكيل حكومة اصلاحية غير خاضعة للمحاصصة والهيمنة.
 

اتفاق الطائف، بنظر العديد من الذين شاركوا فيه ، شكل اجوبة عن اسئلة وجودية أساسية وفتح الباب نحو التطوير. لبنان عربي، جيشه واحد، نظامه ديموقراطي برلماني، وتداوُل السلطة شأن بديهي. لكن مع اغتيال الرئيس الشهيد رينيه معوض، خسر لبنان بغيابه نقطة التوازن الداخلي والاقليمي والدولي، وبدأ الانقلاب السوري على الطائف مؤسساً نظاماً أمنياً ومنظومة سلطة بدل دولة القانون واستمر بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري من خلال وراثة حزب الله للانقلاب.

 


الامر الذي ادى الى اختلال عميق في موازين القوى السياسيّة في لبنان وبات يُشكل إنحرافاً كبيراً في مسار الأحداث ويهدّد مستقبل البلاد بعواقب سلبية، ونتائج كارثيّة على الصيغة اللبنانيّة برمتها وعلى التركيبة المجتمعيّة القائمة والتي تعكس معادلاتٍ دقيقة وحساسة. 

 


إن القوّة الاستثنائيّة التي تملكها أطراف لبنانيّة معروفة الامتدادات الإقليميّة صارت تقف حجرة عثرة أمام قيام الدولة، فهي تصادر قرار الحرب والسلم وتكسر حصريّة وظيفة دفاع الدولة عن أراضيها وتحول دون مصالحة لبنان مع محيطه العربي. 

 

 

 في المشهد اللبناني لا فصل بين العامل الخارجي والعامل الداخلي، سوى إشارة الى مرحلة متقدمة في أزمة لبنان المصيرية المرتبطة بالانقلاب على التوازن الداخلي وتوازن العلاقات مع الخارج لتكريس مشروع الغلبة المرتبط بالمشروع الإقليمي الإيراني من خلال حزب الله. والأزمة مع السعودية ودول الخليج، ما هي الا إنعكاساً لذلك، وأما أزمة الحكومة وبقية مواقع السلطة، فإنها من ظواهر الأزمة المصيرية العميقة جداً. 

 

 

لبنان اليوم يواجه ظروفاً أشد قساوة وأشد صعوبة، بالاضافة لإنقسامات عامودية هي اعمق مما كان سائداً سابقاً، وذلك نتيجة التراكمات السلبية لأداء اهل السلطة وجشعهم في خدمة مصالحهم في ظل الحماية التي يؤمنها لهم فائض نفوذ حزب الله. واللافت الآن ان حزب الله قد تحوّل إلى المارد الذي خرج من القمقم بعد تمدد عملياته العسكرية وعملياته الخاصة إلى داخل الدول والمجتمعات العربية، بالاضافة إلى تشكيله رأس حربة للرس الثوري للهجوم سياسياً وإعلامياً ضد دول الخليج ، من دون تقدير أو الأخذ بعين الاعتبار الأضرار التي يتسبّب بها للدولة وللشعب اللبناني . 

 

 

لبنان يعاني الامرين جراء الازمات التي اثقلت كاهله، ولم توفر أيّاً من اللبنانيين، حيث لا ماء ولا كهرباء  وقد تراجعت مداخيل اللبنانيين بنسبة تفوق قدرتهم على القيام بأبسط التزاماتهم اليومية، ناهيك باستحقاق الانتخابات النيابية، وما يرافقه من نزاعات ومناكفات.

 

 

المعركة مفتوحة على مداها، والافرقاء جميعا، بدأوا إعداد العدة للاستحقاق الانتخابي، كل على طريقته ووفق حساباته ومصالحه وتحالفاته، القائمة والمنتظرة، من غير أن يخفي البعض نيّته بالتعطيل او الارجاء الى موعد آخر،وكل على طريقته ووفق المعطيات الميدانية والتركيبة الشعبية، ولبنان على مفترق طرق غير واضح المعالم والنتائج، حيث الشروخات السياسية والطائفية والمذهبية والحزبية، تزداد عمقاً واتساعاً يوماً بعد يوم، والخاسر الاكبر، هم اللبنانيون الذين هم امام امتحان مصيري بالغ الاهمية، للخروج من الفوضى والبلبلة والغموض والبؤس والحرمان والشقاء والفقر الشديد، حيث اكثر من ثمانين بالمئة منهم باتوا تحت خط الفقر المدقع والشديد.

 

 

ليس من شك في ان حكومة معا للانقاذ على المحك، في قدرتها على تنفيذ ما وعدت به في البيان الوزاري وبأسرع وقت ممكن، من اصلاحات وتوفير الخدمات الحياتية الضاغطة والملحة، خصوصا وأن عمرها الزمني قصير، ومأكول بالإعداد اللوجستي للانتخابات، والحاجة ماسة لردم الهوة السحيقة، بين ما تبقى من دولة وبين الشعب، حيث لم تعد مجدية الوعود الكلامية، ولا رمي التهم، يمينا وشمالا، ولا بد من تطبيق خريطة الطريق،لبنان تحت الرقابة الدولية، والانظار مشدودة الى ما يمكن ان تؤول إليه التطورات والمساعي الحميدة للحلحلة وإعادة الامور والعلاقات الى وضعها الطبيعي مع الدول الخليجية، بما يتيح للبنان الحصول على ضمانات كافية ووافية، رغم ان هناك من يعتقد ان الحلول المطلوبة ليست بأيدي اللبنانيين بالكامل والعامل الاقليمي وتحديدا الايراني، عامل مؤثر ولا يتجاوب مع مطلب ايجاد الحلول، والبلد بات اشبه ما يكون بـالجمر تحت الرماد والوضع المعيشي بكامل عناوينه على فوهة بركان، وانتفاضة شعبية يعرف كيف تبداء لا كيف تنتهي، خصوصا وأن التصعيد السياسي وغير السياسي هو عنوان المرحلة التي يمر بها لبنان . 

 

 

ان خطورة الازمة الداخلية وانعكاساتها على مصالح لبنان العربية والدولية تفترض ان تتلاقى القوى المؤمنة بمشروع  الدولة وكمجتمع مدني على تحرك شعبي عام يؤمن اليات العمل الديمقراطية وعلى راسها الانتخابات النيابية، للخروج من المعادلة السياسية الراهنة، وبالتالي التهيئة لتشكيل حكومة اصلاحية غير خاضعة للمحاصصة والهيمنة.