في هجومِ حادٍّ للنائب الحاج محمد رعد على رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع( دون أن يُسمّيه): إن كان فيه شرف، عليه أن يعتذر، بعد أن أخطأ بحقّ "سيّدنا" ( السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله)، وأضاف مُتّهماً رئيس حزب لبناني ( كغيره من أحزاب لبنان المُتعدّدة، وشأنُه شأن غيره): أنت تكذب، وأنت كلامك خراب، تتطاول على "سيّدنا"، بل على البلد( باعتبار سيدهُ هو البلد ).

 

في جميع الأحوال، تعوّد اللبنانيّون على سماع لغة الشتائم ونفث الأحقاد وبذر الفِتن من أعضاء الطبقة السياسية الفاسدة التي تحكم هذا البلد المنكوب، في حين أنّ كلّ ما يتطلّع إليه المواطنون ويرجونهُ من أولي الأمر النافذين أن يلتفتوا إلى معاناة الناس الحياتية والمعيشية، ومعالجة قضايا الضائقة الإقتصادية والإجتماعية التي نزلت بهم نزول الصاعقة، في حين يخرج علينا رئيس كتلة الوفاء للمقاومة مُمتعضاً من التّطاول على  "سيّده"، وسيّده مُنهمكٌ في شؤون السياسة اللبنانية ومصائبها ومخازيها وخبائثها.

 


ما استوقفني في كلام النائب الحاج محمد  رعد،(قبل أن يرتقي إلى مراتب السؤدد) هو حرصه البالغ على كرامة سيّده وعنفوانه، ويا حبّذا لو كان يعلم ما كان يقصده العرب والمسلمون بقولهم: سيّد، ومن كان يستحق أن يبلغ مرتبة السؤدد، فعن عدِيّ بن حاتم: السّيد هو الذّليل في نفسه، الأحمقُ في ماله، المُطّرحُ لحقدِه، المعنيُّ بأمر عامّته، وقال عبدالله بن عباس: سادةُ الدنيا الأسخياء وفي الآخرة الأتقياء، وقيل لقيس بن عاصم المنقري، بمَ سُدتَ قومكَ؟ قال: ببذل القِرى وترك المِرا (يقصد المُراءاة) ونُصرة المولى، وعن الخليفة عمر بن الخطاب: السّيد هو الجواد حين يُسأل، والحليمُ حين يُستجهل، والبارُّ بمن يُعاشر، وفي الحديث المرفوع: من بذل معروفه وكفّ أذاه فذلك السيد، ويُقال: لا سؤدد مع انتقام، والعربُ تقول:"سيّدٌ مُعمّم" يريدون أنّ كلّ جنايةٍ يجنيها أحدٌ من عشيرته معصوبةٌ برأسه، وقيل لإبن هُبيرة: من سيّدُ الناس اليوم؟ قال: الفرزدق، هجاني ملِكاً ومدحني سُوَقة، وقيل لعَرابة الأوسي: بمَ سُدتَ قومك؟ فقال بأربع: أنخدعُ لهم عن مالي، وأذِلُّ لهم في عِرضي، ولا أُحقّر صغيرهم، ولا أحسُدُ رفيعهم، وقال المُقنّع الكِنديّ، وهو محمد بن عميرة:

 

ولا أحمل الحقد القديم عليهمُ

وليس رئيسُ القوم من يحمل الحقدا 

وليسوا إلى نصري سِراعاً وإن همُ

دعوني إلى نصرٍ أتيتُهُمُ شدّا

إذا أكلوا لحمي وفرتُ لحومهم 

وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدا 

يُعيّرُني بالدَّين قومي وإنّما ديوني في أشياءَ تكسبهم حمدا.

هكذا يكون السُؤدد في أعراف العرب وطبائعهم وضمائرهم يا "سادة يا كرام.