يُقالُ والله أعلم، أنّهُ بعد أن بلغ تعداد مُقاتلي قبيلة بني تغلب المائة ألف، قال عمرو بن كلثوم قصيدته التي تضجّ بالحماسة والعزّة والفخار، وناهز عدد أبيات القصيدة مائة بيت، واعتُبرت من المُعلّقات العشر، وقالها عمرو بن كلثوم في حضرة ملك الحيرة عمرو بن هند، الذي كان ينظر في الخلاف بين قبيلتي بكر بن وائل وتغلب بن ربيعة( قبيلة الشاعر)، وكانت وفاة عمرو بن كلثوم عام ٥٨٤ ميلادية، ٣٩ قبل الهجرة، وهذه عيّنة من أبيات الحماسة والفخر والإعتداد بجبروت القبيلة:

وكأسٍ قد شربتُ بِبَعلبكّ

وأخرى في دمشق وقاصرينا

أبا هندٍ فلا تعجل علينا

وأنظرنا نُخبّرك اليقينا 

بأنّا نوردُ الرايات بيضاً

ونُصدرُهنّ حُمراً قد رُوينا 

وقد هرّت كلاب الحيّ منّا

وشذّبنا قَتادة من يلينا 

متى ننقُل إلى قومٍ رَحانا 

يكونوا في اللقاء لها طحينا 

ألا لا يعلم الأقوامُ أنّا تضعضعنا وأنّا قد وينينا 

ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا 

ونحنُ الحاكمون إذا أُطِعنا

ونحن العازمون إذا عُصينا 

ونحن التّاركون لما سخطنا 

ونحن الآخذون لما رضينا

ونشربُ إن أردنا الماء صفواً

ويشرب غيرنا كدراً وطِينا

ملأنا البرّ حتى ضاق عنّا

وظهرَ البحر نملأهُ سفينا 

إذا بلغ الفطام لنا صبيٌّ

تخرُّ له الجبابرُ ساجدينا. 

 

لاحظ بعض المناوئين لقبيلة بني تغلب، أنّ أفراد تلك القبيلة اكتفوا بما تركه لهم عمرو بن كلثوم من مجدٍ وفخارٍ وتكابُرٍ على الآخرين، وانصرفوا عن تلك المآثر وهجروها، حتى قال شاعرٌ من بني بكر بن وائل:

 

ألهى بني تغلبٍ عن كلّ مكرمةٍ

قصيدةٌ قالها عمرو بن كلثومِ

يُفاخرون بها مذ كان أولهم 

يا للرّجالِ لشِعرٍ غير مسؤومِ.