الأسبوع الجاري محكوم بتداعيات «خميس الطيونة». فيما الوضع بشكل عام لا يشي باطمئنان، وسط الحرب الإعلامية الدائرة بوتيرة عنيفة على محور «الثنائي الشيعي» وحزب «القوات اللبنانية»، تحمل اتهامات وتهديدات تُذكّي النار التي ما زالت تحت رماد أحداث الخميس الماضي. وعلى الخط الموازي، معركة حامية الوطيس تدور على محور «التيار الوطني الحر» و«القوات»، بلغ فيها الخطاب الإعلامي في الساعات الاخيرة غاية في العنف والتجريح المتبادل بحق قيادتي الطرفين، تعرّض فيه رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون لهجوم هو الأعنف من قِبل «القوات». وإذا كان المواطن اللبناني المكتوي بخوف وفزع من طبول الحرب التي تقرع، ينتظر إجابات عن كمّ هائل من الأسئلة عن حقيقة ما حصل في الطيونة وعين الرمانة الخميس الماضي، وهو ما يفترض ان تأتي بها نتائج التحقيقات التي يجريها الجيش اللبناني بجدّية كاملة وسريّة تامة، والإجراءات التي يُفترض ان تُتخذ في حق المتورطين بتهديد السلم الأهلي وإشاعة مناخ الحرب والاقتتال، فإنّ المشهد الداخلي بصورة عامة في غاية القلق، والايام، لا بل الساعات المقبلة في منتهى الدقة والحساسية، يُنتظر خلالها أن تتحدّد اتجاهات الرياح السياسية والقضائية وكذلك الأمنيّة، وعلى هذه الاتجاهات سيجري التأسيس، إما لإطفاء صواعق التفجير او لإشعالها، وهنا المصيبة الكبرى على لبنان واللبنانيين.


 

 

مع هذا المشهد الملبّد بكل اسباب القلق، يقف لبنان على منعطف شديد الخطورة، يعزّز ذلك انّ «أبطال الخميس» يبدون في حالة حرب حقيقية، يتقاصفون بخطاب ما فوق النّاري، خوّف كل اللبنانيين من ان يكونوا حطباً لنار معادلة «رايحين على جهنّم» التي يُخشى أن يمهّد هذا الخطاب لجعلها أمراً واقعاً تحكمه عقول معطّلة وقلوب عامرة بالحقد والكراهية، اصحابها ذئاب جائعة لا يتورّعون عن افتراس بعضهم البعض، والتلذّذ في تكسير عظام بعضهم البعض. المشهد المقيت انّ المتقاصفين لم يتّعظوا من تجارب الماضي ومراراته، بل يبتهجون بخطابهم السياسي والشعبوي والغرائزي وبأنّهم أطلقوا صافرة انطلاق القطار المؤدّي الى جهنّم، ويتوعّدون بقلب المعادلة الداخلية الهشّة أصلاً، ويستدعون الحرب؛ حرب على مَن؟ وبين مَنْ ومَنْ؟ ولمصلحة مَنْ؟

 

انّ اقل توصيف لما جرى ويجري، هو انّها جريمة تُرتكب بحق وطن وشعب؛ اياً كانت الشعارات، والعناوين والتبريرات التي تصدر من هنا وهناك، فهي تستدعي حرباً على بقيّة وطن يوشك أن يفقد آخر نبض حياة فيه، وعلى اللبنانيين من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق الذين هم أموات اصلاً، حوّلتهم الأزمة الاقتصادية والمعيشية الى بطون فارغة وجثث بشرية وجيوب مفلسة، او بالأحرى مسروقة، ورهائن للصوص الأسعار والاحتكار ومافيات الاسواق السوداء. وها هم مع الانحدار الرهيب الراهن، يُحَضّرون كمشاريع ضحايا ليُرمى بهم في هاوية حقد أعمى وكيديات سياسية وأجندات متصادمة وطائفيات مدمّرة لما يُسمّى العيش الواحد بين اللبنانيين، مسيحيّين ومسلمين، أعادت ترسيم الحدود الداخلية ومحاور قتال، لا ينقصها سوى رفع المتاريس والدشم على خطوط التماس، في انتظار إشارة البدء بعملية الانتحار الجماعي.