لو ضربنا صفحاً عن سيل العنتريّات والتّبجُّحات واستعراضات القوّة الفائضة التي أبداها السيد حسن نصرالله، أمين عام حزب الله في خطابه بالأمس، والذي خصّصه للهجوم الحادّ على حزب القوات اللبنانية وقائدها سمير جعجع، ولو سلّمنا جدلاً بمُجمل فضائله على المسيحيين في جنوب لبنان عام ألفين، بعد الإنسحاب الإسرائيلي وعفوهِ عنهم بعد المقدرة عليهم ( مع التّحفُّظ بأنّ عدد المُتعاملين الشيعة مع العدو الإسرائيلي كان يفوق عدد المتعاملين المسيحيين)، ولو سلّمنا بفضائله على المسيحيين في البقاع الشمالي بعد تحرير جروده من داعش، وإرسالهم بالحافلات "المُكيّفة" إلى مكانٍ آمنٍ في سوريا، ولو سلّمنا بأنّ سماحتهُ لم يكن يُضمر للمسيحيين من اتفاق مار مخايل مع الجنرال عون سوى الرشاد والرخاء والطمأنينة، إلاّ أنّ كلّ هذه الفضائل والمكرُمات لا تُبرّر أبداً هجومه الحادّ والإستكباري ضد القوات اللبنانية وقائدها سمير جعجع، واتّهام جعجع حصراً بضرب مصالح المسيحيين والمسلمين وخراب البلد عن بكرة أبيه، ففي هذا الإتّهام الكثير من التّجنّي والزّلل والتّجاوز، ومُجانبة الصواب والحقّ، واسمح لنا هاهنا يا سيّد، بالزّعم بأنّك لم تكن مُنصفاً ولا عادلاً بتحميل سمير جعجع كافة الموبقات السياسية  التي ضربت لبنان وزعزعت كيانه خلال العقدَين الماضيين، وخرّبت نظامه، وعاثت فيه فساداً ونهباً، والغريب في الأمر يا سيد، وأنت تُعدّد نقائص جعجع في نظرك وعُرفك، تغاضيت عن فضله على حليفكم الجنرال عون وعلى البلد بكامله( ولن نقول عليكم)، عندما لاقاكُم نهاية العام ٢٠١٦ في منتصف الطريق وحمل معكم الرئيس عون إلى سدة الرئاسة الأولى،( مُعلّلاً ذلك بوجوب ملء الفراغ الرئاسي وانتظام المؤسسات الدستورية)، حتى باتت رئاسة الجمهورية طيّعةً صاغرةً في يدكم، ومن ثمّ شارككم جعجع ( وكنتم راضين مُغتبطين) في حكومتَيْ الرئيس سعد الحريري، قبل انتخابات العام ٢٠١٨ وبعدها، وشهد القاصي والداني، والخصم والحليف بنزاهة نواب ووزراء القوات اللبنانية،  واستقامتهم، وابتعادهم عن منظومة الفساد وهدر المال العام التي عاثت فساداً في البلاد.

 

 

إقرأ أيضا: وامعتصماه،،واعرباه..

 

 


وليكن في علمكم يا سماحة السيد، سمير جعجع ليس المسؤول عن خراب لبنان وانهيار نظامه، وغرقه في ظلامٍ حالك، ليس المسؤول عن انهيار النقد الوطني، ولا عن تدهور معيشة المواطنين حتى بات معظمهم تحت خطّ الفقر، وليس المسؤول عن هجرة أبنائه، كما أنّه ليس المسؤول عن تفجير مرفأ بيروت "النووي"، من كان مسؤولاً عن كلّ هذه الجرائم هي هذه الطبقة السياسية الفاسدة التي تحظى بحمايتكم ورعايتكم، وبتغطية جرائمها بفضلكم، قبل انفجار المرفأ وبعده، أمّا نصيحتك لسمير جعجع بأن لا ينغمس في جريمة الشروع بإضرام نيران الحرب الأهلية، فجنابُك مشكورٌ عليها من جموع اللبنانيين، وأنت كما عهدناك النّاصحُ لأخيه في "المُواطنة"، وبعد اعترافك بوجود مائة ألف مُقاتل مُدجّجين بكافة الأسلحة، ويأتمرون بإشارةٍ من إصبعك( وهذا لعمري صحيحٌ وواقع)، فالحريُّ بسمير جعجع "الحكيم" أن يتحلّى بالحكمة والموعظة الحسنة مع غيره من السياسيين المُناوئين لسيطرة حزب الله على البلد، وأخذ هذه النصيحة على محمل الجدّ، فالحرب الأهلية ليست لعبةً أو مزحةً، أو هوايةً أو مفخرة، بل هي دمارٌ وخرابٌ وضحايا ومُشرّدين وأيتام وثكالى وآلام، وقانا الله وإياكم شرورها وويلاتها وأهوالها، ولا يسعنا إلاّ نُثمّن عالياً رغبتكم في تجنُّب مثل هذه الحرب اللعينة، وأمام مهمّات درء الفِتن ومنع الإحتراب الأهلي، وحفظ النظام والكيان، يصبح أمر القاضي طارق البيطار( عزلُه أو تثبيتُهُ) فاصلةً صُغرى لا يَحسُنُ الوقوف عندها طويلاً، أليس هذا هو الصواب، والتّعالي عن الصغائر وخبائث الأرض يا سماحة السيّد.