قبل يومين من أحداث الطيونة، هدّد وزير الثقافة محمد المرتضى على طاولة مجلس الوزراء، بأن «رح تشوفو الخميس شي مش شايفينو بحياتكن»، وأضاف الوزير المُشترك بين «حزب الله» وحركة «أمل» كلاماً تهديدياً وعالي النبرة بخصوص تنحية القاضي طارق البيطار عن ملف جريمة المرفأ، ما حَدا برئيس الجمهورية الى رفض هذا الكلام ورفع جلسة مجلس الوزراء التي كان يترأسها. وبعد الخميس الدامي تشدّد «الثنائي الشيعي» أكثر بطلب «قَبع» البيطار، وجاء الكلام الرسمي العلني الأبرز على لسان نائب رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» الشيخ علي دعموش، الذي أكد أمس، أنّ «المسار الذي بدأناه لتنحية البيطار سيتواصل ولن نتراجع».

 

 

كذلك استمرّ مسؤولون في «الثنائي الشيعي» ومرجعيات دينية شيعية وصحافيون ووسائل إعلام تدور في فلكه، أمس، في التصويب على رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع واتهامه بقتل مشاركين في التظاهرة الخميس أمام قصر العدل. وكان تأكيد لأمرين بالتوازي: محاسبة مرتكبي «القنص والقتل» الخميس والعمل على تنحية البيطار. بذلك، لا يستهدف «حزب الله» جعجع والبيطار فقط، بل تُطاول شظايا هذا الاستهداف القصر الجمهوري ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل. وأبعد من ذلك تُطاول الشارع المسيحي بكامله. ما لا يعلمه «حزب الله» أو يعلمه إلّا أنّه يغض الطرف عنه، أنّ الاستنفار الذي حصل الخميس في عين الرمانة وفرن الشباك وبدارو، ليس جعجع سببه ولا البيطار، فحتى لو لم يكن جعجع ولم تكن «القوات» لكان هذا الاستنفار، ففي متابعة للأرض والشارع ولوسائل التواصل الاجتماعي ولمناشدة «مواطنين مسيحيين» لقياداتها، يظهر بوضوح الاحتقان في الشارع المسيحي الرافض «استكبار «حزب الله» وتهديداته وفرضه رأيه بالقوة في كلّ ملف لا يلائمه، بمعزل عن رأي الشركاء الآخرين في الوطن، خصوصاً أنه «وَصَلت مواصيله» الى القضاء، ةتحديداً الناظر في ملف تفجير المرفأ، الذي طاول العاصمة بكاملها ودمّر نصف بيروت».

 

 

 

هذا الاستنفار لم يكن في بيروت فقط الخميس، بل كان هناك غضب شعبي مسيحي في مناطق بعيدة من العاصمة، واستعداداً للنزول الى الشارع ومواجهة أصحاب «القمصان السود»، حتى من نسوة وشبان لم يعرفوا السلاح يوماً ولا لغة العنف، خصوصاً مع انتشار الفيديوهات والصور التي تظهر دخول مسلّحين من «حزب الله» وحركة «أمل» الى عين الرمانة وتكسيرهم سيارات واستفزازهم المواطنين، كذلك سُجّلت شهادات لسكان المنطقة امتعاضاً من الأعمال التي اقترفها المسلّحون، ومَن جال في عين الرمانة أمس رأى آثار الرصاص واستهداف الأملاك الخاصة بأمّ العين.

 

هذا «الشعور المسيحي» المُمتعض من طريقة تعامل «حزب الله» مع التحقيق في جريمة المرفأ، يسري على «عونيين» جاهروا باعتراضهم هذا. وهذا ما عبّر عنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وباسيل، كلٌّ بحسب موقعه وطريقته. ففي حين كانت الأحداث مندلعة في الطيونة، كان باسيل يؤكد من بكركي أنه «لا يُمكن لأحد أن يفرض رأيه فرضاً على الآخرين». ومساءً، أكد عون في كلمته الى اللبنانيين، ما سبق أن قاله في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، وهي رسالة مباشرة الى «حزب الله» وحركة «أمل» من دون أن يسمّيهما، أنّ «ما من أمر لا حلّ له، وحلّه ليس الّا من ضمن المؤسسات، كذلك من خلال الدستور الذي ما من أمر يُعلى عليه، لا التهديد ولا الوعيد».

 

 

موقف عون ما زال ثابتاً، مع علمه أنّ هناك جواً يفيد أنّ وزراء «الثنائي الشيعي» لن يشاركوا في أي جلسة لمجلس الوزراء ما لم يجرِ التجاوب مع طلب تنحية البيطار. وبالتالي، حتى الآن، ما زالت المواجهة بين عون و»الثنائي» وتحديداً «الحزب» صامتة ومضبوطة، إلّا أنّها قد تصبح أكثر حدّة في حال ازداد تصلّب «الثنائي» بموقفه تجاه «قَبع» البيطار، ما يجعل جهات سياسية تسأل عمّا إذا كان عون سيرضخ لطلب حليف «مار مخايل» وتهديداته أم أنّه سيواجهه الى النهاية للمرّة الأولى، مع ما يرتّبه كلّ من الأمرين على عهده، وبالتالي يرون أنّ العهد سيكون الأكثر تشظياً من استهداف «الحزب» البيطار.
على ضفة القصر الجمهوري، يذكّر قريبون من عون أنّ «الرئيس، وبعد حديث وزير الثقافة الذي أثار استغراب وامتعاض المشاركين في جلسة مجلس الوزراء، حين رأى أن الاعتراض على عمل البيطار سيأخذ منحى تصعيدياً آخر، قال إنّ هذا الأمر يعالَج في المؤسسات». والمعني من المؤسسات بهذا الشأن، بالنسبة الى عون، هو مجلس القضاء الأعلى، وذلك لأنّ مجلس الوزراء ليس هو الذي عيّن القاضي البيطار محققاً عدلياً، بل اقتصر دور المجلس على إحالة الجريمة على المجلس العدلي، علماً أنّ تعيين البيطار أتى باقتراح من وزيرة العدل السابقة، وكانت قد تقدمت قبله بإقتراح اسم قاضٍ آخر هو سامر يونس رفضَه مجلس القضاء، ثمّ اقترحت اسم البيطار ووافق عليه مجلس القضاء، فصدر مرسوم تعيينه محققاً عدلياً. لذلك تحدّث عون مع وزير العدل لضرورة تفعيل دور مجلس القضاء، خصوصاً بعد أن اكتمل بتعيين الأعضاء الأربعة الذين حلفوا اليمين سريعاً أمس الأول، أمام عون، لكي تكون جهوزية المجلس قائمة. وبالتالي إنّ أي معالجة للتحقيق العدلي وللإعتراض على عمل البيطار، بالنسبة الى عون، يجب أن تجري عبر مجلس القضاء الاعلى والمؤسسات المتفرعة عنه، مثل التفتيش القضائي والنيابات العامة... وعون متمسّك بأن «لا يمكن أن نحلّ مكان السلطة القضائية، وهي مستقلة، وهناك فصل بين السلطات».

 

 

 

إنطلاقاً من ذلك، إنّ موقف عون ثابت وواضح، لجهة أنّ هذا الأمر يعالج ضمن المؤسسات القضائية والإجراءات التي تفرضها القوانين القضائية، وليس خارجها، لا في الشارع ولا بالتهديد، ولا حتى باسترداد الحكومة ملف الجريمة من المجلس العدلي وتحويله الى محكمة أخرى. ويشير القريبون من عون الى أنّ «هذه سابقة لم تحصل في تاريخ لبنان، أي أن تُحال جريمة على المجلس العدلي ثمّ تُسترد لسبب أو آخر، إذ لو لم تكن مهمّة لما أحيلت الى المجلس العدلي. وبالتالي لا يمكن لمجلس الوزراء أن يستردّها من أمام المجلس العدلي».


وإذ يقرّ القريبون من عون أنّ هناك مشكلة وأنّ «الثنائي الشيعي» قد يعطّل جلسات مجلس الوزراء، يسألون: «لكن الى متى؟» ويرون أنّ «الناس لن يقبلوا بتعطيل الجسم القضائي». لذلك كُلّف وزير العدل بإيجاد صيغة لحلّ هذه المشكلة، تنطلق من مبدأين: فصل السلطات والعودة الى المؤسسات أي مجلس القضاء الاعلى. وانطلاقاً من ذلك، كانت رسالة الرئيس واضحة: «للعودة الى المؤسسات، هذا المخرج، والاحتكام الى الشارع غير وارد». أمّا عن اعتراض «الثنائي الشيعي» فيقول القريبون من عون: «ليقولوا ما يريدون، الرئيس حلفَ على الدستور الذي يقول بفصل السلطات وانّ أمور القضاء تعالجها السلطة القضائية المستقلّة، والرئيس لا يمكنه أن يتصرّف خارج المؤسسات، والدستور واضح، وهو يتقيّد بالنص».