إن الاستنسابية في التعاطي مع القضاء تؤشر إلى حالة انفصام أخلاقي وسياسي ساعة مع وساعة ضد وتؤشر الى محاولات باتت واضحة بتحويل القضاء الى مؤسسة فارغة من مضمونها وأهدافها وبالتالي ضياع الحقيقة في متاهات السياسة اللبنانية وزواريبها الحزبية والطائفية.
 

بلغت قضة التحقيق  في انفجار مرفأ بيروت في الساعات الأخيرة  منعطفا خطيرا، بدأت مع المواقف التي أطلقها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته الأخيرة وأفضت إلى نقاشات حادة في مجلس الوزراء حول تنحية القاضي بيطار وانتهت إلى إطلاق دعوات للإحتجاجات الشعبية من قبل الثنائي الشيعي أمام قصر العدل للمطالبة بتنحية القاضي بيطار.

 

 

هذا المشهد يضاف الى المشاهد المأساوية التي باتت كثيرة في حياة اللبنانيين، وهو المشهد الأخطر، إذ يزيد من حجم الإنقسام الوطني والسياسي ويهدد ما بقي من مقومات الدولة ومؤسساتها، فضلا عما يحكي عن فرط العقد الحكومي على خلفية هذه القضية الامر الذي سيؤدي إلى المزيد من الإنهيار والتردّي السياسي والاقتصادي والمالي.

 

 

إقرأ أيضا : حسن مكحل وحسين الحاج حسن!!

 

 

الإرتياب المشروع الذي ينادي به قسم من اللبنانيين هو أمر مشروع ضمن القوانين، لكنه لا ينبغي ان يكون وسيلة للتعطيل ولا ينبغي أن يكون وسيلة للإبتزاز السياسي كما لا ينبغي أن يصبح وسيلة أخرى من وسائل الهروب إلى الأمام وإطالة أمد هذا التحقيق أو الالتفاف عليه والذهاب لاحقا إلى طمس الحقيقة.

 

 

ذهب المدعوون الى القضاء في قضية المرفأ إلى الارتياب  مارسوا حقهم القانوني وتم تنحية القاضي السابق فادي صوان، ومع  تعيين المحقق طارق البيطار  استبشر اللبنانيون وذوي الضحايا خيرا، ولكن سرعان ما تلاشت الآمال مع استدعاءات المحقق القاضي بيطار والتي شملت عددا من الشخصيات الامنية والحزبية والسياسية على صلة بالانفجار، وليس في الامر عجب طالما يأتي ذلك في سياق التحقيق الاولي، ومن كان مع القضاء أصبح ضده فانقلب هؤلاء من جديد بتقديم  بارتياب  هو هذه المرة غير مشروع وقد رفض فبقي القاضي بيطار على رأس عمله.

 

 

إن ما يقوم به القاضي بيطار يأتي في سياق عمله وهو ما يضمنه له القانون، وأما الذهاب إلى التشويش والتجييش  ضد القاضي بيطار فإنه يطرح الكثير من علامات الإستفهام ويطرح المزيد من التعقيدات والتي تؤدي بدورها الى المزيد من التوتر، وهو أولا وآخرا يؤدي إلى هدم المعقل الأخير من مقومات الدولة، وتحويل هذه الدولة إلى دولة بلا قانون دولة تحت سلطة الأحزاب ونير الطائفية.

 

 

إقرأ أيضا : نهاية المهزلة الحريرية!!

 

إن حزب الله معني كما غيره وربما هو بالدرجة معني بكشف الحقيقة وتبيان المسؤولين عن هذا الانفجار،  وبالتالي فإن الذهاب إلى كيل الإتهامات بحق القاضي وبيطار والتشويش على سير عمل التحقيق فإنه يدين الحزب ويؤكد محاولاته الالتفاف على التحقيق بل الإنقلاب على القضاء بغير مسوغات قانونية، وليذهب حزب الله وبقية المتهمين  إلى الدفاع عن أنفسهم قانونيا ووفق الأطر الدستورية بعيدا عن كيل الاتهامات والمزايدات وبعيدا عن لغة الإبتزاز والتهديد والوعيد.

 

 

إن الاستنسابية في التعاطي مع القضاء تؤشر إلى حالة انفصام أخلاقي وسياسي "ساعة مع وساعة ضد" وتؤشر الى محاولات باتت واضحة بتحويل القضاء الى مؤسسة فارغة من مضمونها وأهدافها وبالتالي ضياع الحقيقة في متاهات السياسة اللبنانية وزواريبها الحزبية والطائفية.