بعدما كان «حزب الله» يعارض اقتراع المغتربين في الانتخابات النيابية المقبلة، عاد وبدّل رأيه، مُبدياً موافقته على إشراكهم في العملية الانتخابية بعد أشهر، فما هي الأسباب التي دفعته إلى تغيير مقاربته على هذا النحو؟
 
إنطلق «الحزب» أساساً في موقفه الاعتراضي، من غياب تكافؤ الفرص في الخارج، إذ انّ الحظر المفروض عليه في عدد من الدول نتيجة اتهامه بالارهاب واخضاعه الى العقوبات، انما يحول دون تمكّنه من اكتساب حرية الحركة وتنظيم الحملات الانتخابية، ويمنعه على سبيل المثال من إيفاد نواب او قياديين الى كثير من الدول للتواصل مع الجاليات هناك، بينما تملك القوى اللبنانية الأخرى مساحة واسعة للتحرك والتعبئة في اوساط المغتربين، ما يضرب مبدأ المساواة والعدالة في الانتخابات.


 

ولئن كان الاغتراب قد شارك في انتخاب النواب الـ128 عام 2018، الا ان الحزب اعتبر ان الضغوط التي اشتدت عليه منذ ذلك الحين، أدت الى تفاقم القيود وازدياد الأمور تعقيدا بحيث ان مناصريه ومؤيديه في الخارج قد لا تكون لديهم في استحقاق 2022 حرية الاختيار او النشاط خشيةً من تَبِعات ذلك وتداعياته عليهم في الدول التي تستضيفهم. والمحاذير نفسها تنسحب على مبدأ تخصيص 6 مقاعد للاغتراب (الوارد في القانون الحالي)، إذ انه سيكون من المستحيل بالنسبة إلى الحزب ان يعلن عن مرشحين له الى هذه المقاعد او حتى عن دعمه لمرشحين محددين في بعض البلدان الاساسية، إضافة إلى أنه سيتعذّر عليه الخوض في اي شكل من أشكال الدعاية الانتخابية، خلافاً لوضع القوى الأخرى التي لا توجد اي عقبات امام نشاطها الانتخابي في الخارج. وما توقّفَ عنده «حزب الله» أيضا هو ان الانتخابات المقبلة لم تعد شأنا لبنانيا فقط، «بل ان بعض الجهات الدولية لا تُخفي اهتمامها بهذا الاستحقاق وتعويلها عليه لإحداث تغيير في المعادلة الداخلية ومحاصرة المقاومة. وبالتالي، فإنّ الحزب أخذ في الحسبان بدايةً الضغوط والمداخلات التي قد تتعرض لها بعض الجاليات ومصالحها من قبل تلك الجهات للتأثير في مجريات تصويتها واتجاهه.

 

هذه المقاربة الأولية للحزب أشعَلت فتيل حملات داخلية عليه، اتهمته بالسعي الى «كَمّ أصوات غير المقيمين ومصادرة إراداتهم، ومحاولة شطب اي دور لهم في الحياة السياسية ورسم ملامح مجلس النواب، خوفا من خياراتهم السياسية العَصية على التطويع والتي لا تناسب الحزب ولا تخدم مسعاه لتجديد الأكثرية النيابية، خصوصاً مع ارتفاع منسوب النقمة في الاوساط الاغترابية على المنظومة السياسية منذ 17 تشرين الأول 2019»، وفق ما ذهب اليه أصحاب الحملات. وإضافة الى هجوم الخصوم، أبدى الحليف المسيحي، المتمثّل في «التيار الوطني الحر»، امتعاضه من موقف الحزب لأنه يخالف في تقدير التيار حصيلة النضال السياسي الذي خاضه لإقرار حق المنتشرين في الاقتراع، الأمر الذي هدّد بإحداث شَرخ بين الطرفين، فيما هما يدرسان إمكان التحالف في عدد من الدوائر. شعر الحزب بأنّ هناك تشويهاً لموقفه المُستند الى «هواجس مشروعة» او سوء فهم له احياناً، فقرر، بعد اتصالات ومشاورات، تَعديله «تغليباً للمصلحة العامة على مصلحتنا»، كما يُنقل عن أحد قيادييه. وهكذا تقرر القبول بمشاركة المغتربين - كلٌ وفق دائرته داخل لبنان - في انتخاب النواب الـ128، وتطبيق النص الوارد في القانون الحالي والمتعلق بتخصيص 6 مقاعد للاغتراب. وقد انطلق الحزب في مرونته المستجدة من الاعتبارات الآتية:


 

- إحترام ارادة المغتربين وتفادي الظهور في موقع المعادي لهم او المستهدف لأحد حقوقهم السياسية والوطنية.

- الانسجام مع الاتجاه السائد لدى معظم الكتل النيابية بتأييد اقتراع المغتربين.

 

- ملاقاة «التيار الحر» وتفهّمه، في إطار الحرص على تحصين علاقتهما التي لا تنقصها اختبارات اضافية.

- تغيير رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري موقفه وتحوّله داعماً لاقتراع غير المقيمين، ببُعدَيه المطروحَين، بحيث ان استمرار الثنائي الشيعي في اعتراضه سيكون مُحرجاً له الى حد كبير.

 

- إنتفاء الجدوى من خوض معركة مجانية قد تُلحِق أضراراً متفرقة، من دون أن يكون لها مردود وازن على مستوى التأثير الواسع في النتائج الإجمالية للانتخابات، علماً ان الشق المتصل بانتخاب المغتربين للنواب الستة في القارات ربما يتعثّر من تلقاء نفسه لأسباب لوجستية وتقنية، «فلماذا يأخذ الحزب على عاتقه مسؤولية عرقلته؟».