المشهد السياسي الداخلي ثابت على تعقيداته، على رغم اكتمال المشهد الحكومي، حيث يؤكد رئيس الحكومة أنه ماض في طريق الإنقاذ، فيما ضغوط الأزمة المتعددة العناوين والمضامين تتفاقم على مدار الأيام  وتستوجب استنفاراً حكومياً ، على كافة المستويات ، والشروع الفوري بخطوات إصلاحية إنقاذية، يتوق إليها اللبنانيون وسائر الدول الصديقة والشقيقة .

 


ما خلصت إليه زيارة رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة إلى بيروت ، ولقاءاته الرؤساء الثلاثة وبضوء أخضر أميركي  فرنسي مصري، يؤكد اهتمام الاردن بدعم لبنان وصون استقراره وأمنه السياسي والاقتصادي والمالي والمعيشي والاجتماعي ،كما ويؤكد جديتها في إحياء العلاقات الطبيعية مع لبنان والتزامها توفير الطاقة والغاز أويل عبر سوريا، وقد أخذت المملكة على عاتقها إجراء الاتصالات الواجبة املة أن تؤدي المساعي إلى تنوير ليالي اللبنانيين الحالكة والمهدور في سبيلها مليارات الدولارات خصوصاً وأن الدولار الأميركي استأنف مساره التصاعدي، وقد تجاوز عتبة الـ19  ألف ليرة، بالتقاطع مع جرائم امراء السوق السوداء.

 

 

أن لبنان محط متابعات دولية وإقليمية، وإسرائيل ماضية في انتهاكاتها لسيادة وحقوق هذا البلد في ثرواته النفطية بغطاء أميركي، وهو مُثقل بالعديد من الأعباء والاستحقاقات والضغوط الداخلية والخارجية، التي تكتسي صفة الغيرة على لبنان وشعبه، المثقل بأزمات كارثية حقيقية، من بينها احتمال التعتيم الشامل، ما لم تتخذ الإدارات المسؤولة القرارات السليمة والواضحة والحاسمة،خصوصاً وان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قدم التنازل الأول لفريق رئيس الجمهورية بإسقاط إصلاح قطاع الكهرباء من جدول الأعمال مع علمه أن هذا البند بالتحديد يتصدر قائمة شروط أي برنامج يمكن أن يُكتب له النجاح مع صندوق النقد الدولي ، ولمعرفة خطورة هذا التنازل لا بدّ من العودة إلى الكلمة التي ألقتها المديرة العامّة لصندوق النقد الدولي ، كريستالينا جورجييفا في المؤتمر الدولي لدعم الشعب اللبناني الذي استضافته فرنسا افتراضيّاً في الرابع من آب الفائت. 

 

 

وضعت أربع نقاط محددة يتعين التحرك فيها، ويمكن اعتبارها شروطاً صريحة لمساعدة لبنان، أهمها معالجة ضعف الحوكمة ، ومكافحة الفساد. وفي هذا البند قالت حرفياً أود التركيز هنا على قطاع الطاقة باعتباره أهمّ مجال للتحرك، واستكمال تدقيق حسابات مصرف لبنان والشركة المعنية بتقديم إمدادات الكهرباء، والعارفون بطبيعة زيارة منسق المساعدات الدولية للبنان السفير بيار دوكان يؤكدون أنها لن تتناول برنامج المساعدات التي أقرها مؤتمر سيدر، بل هي مسعى من باريس للحض مجدداً على تحقيق ما أمكن من إصلاحات في المجا ل الزمني للحكومة قبل الانتخابات، ولتنسيق المساعدات الإنسانية التي ستذهب مباشرة إلى الناس عبر جمعيات المجتمع المدني أو للمؤسسات التعليمية تحت عنوان وقف الانهيار لا أكثر، ولإفهام السلطة الحاكمة بأن هناك رقابة على إنفاق المليار و135 مليون دولار من صندوق النقد لا سيما أنه سيخصص جزء منه لتأهيل قطاع الكهرباء الذي تعتبره باريس أولوية، وإذا كان تحرك دوكان يواكب سعي وزير الخارجية جان إيف لودريان لحض المملكة العربية السعودية على المساهمة معها في خطوات تقديم المساعدات للبلد، فإن الفريق الحاكم يترك لميقاتي مهمة القيام بما علينا الصعبة لاستعادة العلاقة مع الدول الخليجية غير آبه بما يترتب عليه هو من مسؤولية عن إخراج البلد من دائرة العداء لهذه الدول بفعل تغطيته لسياسة حزب الله، وتغاضيه عن ممارسات الهيمنة على السلطة، وآخرها تهديد المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار.

 

 

 

مع اقتراب موعد التوجه إلى صناديق الاقتراع تواصل فرنسا مساعيها ، عبر موفديها وممثليها الديبلوماسيين، وقد وسعت خارطة لقاءاتها في بلد مثقل بالكثير من الأعباء والاستحقاقات،مشددة على وجوب إنجاز الإجراءات والخطوات الأولى المتمثلة بالإصلاحات الضرورية، لكي يتمكن لبنان من استعادة الثقة بنفسه وثقة العالم به، حيث أن المجتمع الدولي لن يتمكن من مساعدة لبنان قبل إطلاق الإصلاحات ومكافحة الهدر والفساد، وفي السياق فإن عديدين كانوا يترقبون وصول وزير الخارجية جان ايف لو دريان إلى الرياض لاستكمال النقاش حول سبل تأمين الدعم للبنان.

 

 

فما تسرب من معلومات عن جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، وما حصل من بلبلة بين عدد من الوزراء، لا يؤكد بعد أن حكومة معاً للإنقاذ قادرة على إنجاز كامل المطلوب في مهلة زمنية لا تتعدى الأشهر الثلاثة السابقة لموعد. التحضير للانتخابات النيابية. 

 


ختاماً أمام الحكومة  طريقان اقتصاديّان جوهرهما سياسي الاول صندوق النقد، يمر في واشنطن بكل ما تمثّل، والثاني إلى الرياض، وهذا الامر يتطلب أن يتوقّف حزب الله عن التدخل في حروب المنطقة. والمشكلة أن باريس لا تبدو قادرة على تعبيد أيٍّ من الطريقين. ففي الساحة الدولية ينشغل ماكرون هذه الأيام بحض الأوروبيين على التوقّف عن السذاجة في التعامل مع الأميركيين، وفي الساحة الإقليمية لا يبدو الرجل قادراً على اجتراح معادلة تجمع بين القبضة الإيرانية والرعاية الخليجية .