لا نحتاجُ سلاما مؤقتا مبنيا على قنابل موقوتة، بل سلاما لن نعود بعده إلى الحروب.

 


كيف في إمكاننا أن نثق بعد بمثل هذا اليوم المُجدول عالميا -وخلال هذه اللّحظة بالذّات- هنالك من يتعرضون إلى الإبادات الجماعيّة؟ وكيف في إمكاننا أن نؤمِن بمدى القيم الكونيّة إن كنّا من نخالهم سادة السلام هم أنفسهم، الّذين يحاربون الآخرين تحت مسميات شرفيّة، تمنحهم حقّ التصويت لمذابحَ لن تُعتبر غدًا جرائم حرب وإذلال؟ 

 

 

هنالك شعوب حكموا عليها (بالسلام المدفوع) تفتح مواردها من تلقاء ضميرها، مقابل أن تعلو ناطحات سحابها، وأخرى -لأنها لم تقبل أن تتقزم كرامتها مقابل إعلاء منشآتها، حكموا عليها (بالسّلام المؤقت) تُغتال بين الهدنات، فأصبحت أبوابها منفذا للهجرات، وأخرى.. حُكم عليها (بالسلام المقنّع) تخال أنها في أزهى عصور حريتها في حين أنّ دمها يسيل خلفَ أعين الكاميرات وفي كواليس الموت.. وأخرى تعيش (سلاما إعلاميًّا)، يُتحكم في مصيرها بالنشرات الإخباريّة وأسواق الصّور، فتحولت من تقرير المَصير إلى التّقرير التلفزيّ. وأخيرًا.. هناك من حُكم عليه بالسلام الوحشيّ، يموت تكرارًا كلّما نجا بروحه الجديدة. 

 

 

في هذا اليوم بالذات لمن نقدّم يد سلامنا تضامنا؟ أ لآلاف الأطفال الذين اغتصبوا وشردوا في المخيمات؟ إلى الشَّباب الذين غيروا لهم خارطة أحلامهم وحولوهم إلى مهاجرين ويائسين و مجندين وعاطلين ؟ إلى الأمهات اللواتي ما زالت ذاكرتهن الجماعية للأمومة تبكي أزواجا وأبناء فقدن بعدهم حتى السلام العائلي؟ أم ربّما نقدمه إلى الطبيعة التي خربنا ناموسها الكونيّ وألحقنا فيها ندبةً أوزونية تشهد على مدى عبثيتنا؟ أو إلى المساكين الذين لا يعرفون اليوم متى يحين ذلك (السلام المنتظر) ليرتاحوا أخيرا من ضنكٍ لا ذنب لهم في عذابه سوى أنهم ولدوا في خط التماس بين حد الحرب وحد السلام. 

 

 

إنّ السلام الذي نعيشه جميعا على اختلاف مسمياته اليوم، ليس سوى السّلام الافتراضي المُعمم، حتّى أنه لم يعد ممكنا أن نقيس السلام الحقيقي بمقدار الخير والشر فقد أصبحوا يصنعونه لنا  بمقاييس أخرى انقلب فيها معنى الإثنين.
يصنع السلام للبعض كحالة استراحة بعدما يكونون قد أن استمتعوا بمشاهدتهم جميعا يتقاتلون في مضمار كبير مغلق بحجم وطن، يدمون أرضه، ثم يجددون لهؤلاء جولة إضافية، بعد نخب كأسين من دمائهم، ثم يكتبون على حيطان مبكاهم شعاراتهم الأخلاقية ورثاءاتهم الوهمية. 

 

 

إننا أفرغنا أكبر القيم الإنسانية (السلام) من جوهرها على الإطلاق، حتى أن تلك الجائحات التي زارتنا، فضحت حاجتنا حتى إلى سلام صحيّ لم نؤمّن له شيئا، وفضحت مخازننا المليئة بالأسلحة والأخرى الخالية من الأدوية. 

 


السلام، يبدأ عندما نتخلى عن منح ثقتنا لواهبي السلام بعد، وهم يقدمون الجوائز والأوسمة إلى الذين يعادون غدا ذلك الشعب أو آخر، ويتكلمون بكرهٍ  علنيّ عالمي، وأن لا ننحاز لمن يسمون السلام (عملية) أو (دعوة) ولا إلى الذين يعدوننا بطريق له، فلا طريق للسلام، ذلك أن السلام هو الطريق.. يقول غاندي.