ساهمت وتُساهم ما يُسمّى بالمنابر الحسينيّة بعرضها العريض وعلى اختلاف مشاربها واهتماماتها بتهديم وتخريب وعي المتلقّي الاثني عشريّ بطريقة مفزعة، بحيث تمكّنت من الدّخول إلى إعدادات ذهنه وأفسدت قدرته على تلقّي المعلومة وتحليلها كما هو شأن أبناء نوعه الآخرين ممّن لم يتلوّث بلوثة الأديان والمذاهب، وزرعت في ذهنه مستقبلات مذهبيّة خاصّة لا يتمكّن بسببها من استقبال أيّ مرسلات أخرى لا تتّفق مع برمجيّتها حتّى لو كانت من داخل مذهبه، مضافاً إلى تدشين كم هائل من مراكز التّشويش والبهتان على غيرها، بحيث أضحى هذا المتلقّي لا يصدّق بأمّهات كتبه المعتبرة ويضع أمامها عشرات الاحتمالات الهوائيّة الّتي لُقّن بها لإسقاطها وزعزعتها، من قبيل: التّحريف، والدّس، والتّزوير، والافتراء، والوضع...إلخ طالما وجد فيها ما لا ينسجم مع رغبات ملقّنيه ممّن لا يهمّهم غير تركيز: "جابه ومدّده ما بين اخوته، وبچى عدهم یويلي وهم موتى"!!

 

 

المؤسف: أنّ المرجعيّات الدّينيّة بعرضها العريض أيضاً توظّف هذه المنابر لصالح تعميق ما حقّقته من مكاسب مذهبيّة، وتُصدر بيانات قبيل مواسم التّبليغ المعروفة تحثّ روّادها على ضرورة تجنّب الحديث عن أيّ روايات وحقائق تضرّ بالمسار الاثني عشريّ العامّ، وتعميق هذا الوضع الرّسمي الموجود، وبذلك تحوّل المنابر إلى ثكنة عسكريّة حزبيّة مذهبيّة هدفها تعميق الواقع المذهبيّ الموجود بمعزل عن حقّانيّته وعدمها.

 

 

ولهذا يواجه النّاقد المحايد أزمة كبيرة جدّاً في مخاطبة المتلقّي من هذا النّوع ما لم يوفّق بقدرة قادر على الدّخول إلى مكامن ذهنه واقتلاع تلك المستقبلات الخاصّة المزروعة فيه وإعادة ضبط المصنع، وهذا الأمر ربّما يكّلف بطبيعة الحال خسائر كثيرة وكبيرة نظراً لدّقة هذه العمليّة وظرافتها، ولكنّها نافعة جدّاً في إعادة الوعي المختطف ولو للجيل المستقبلي، وجعله قادراً على التّفريق بين الأخلاقيّات الإنسانيّة المتّفق على سلامتها وحسنها، وبين الأخلاقيّات القبليّة الزّمانيّة الّتي يُراد تسويقها وتعميمها، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.