أي دلالات عكستها زيارة وفد طائفة الموحّدين الدروز لدمشق في هذا التوقيت تحديداً، وما هي الانطباعات التي تكوّنت عنها لدى الذين واكبوا مجرياتها؟
 
بدت زيارة الوفد الدرزي الموسّع للرئيس السوري بشار الأسد لافتة في شكلها ومضمونها، وبالتالي هي تنطوي على أبعاد عدة، عابرة للحدود اللبنانية- السورية.


 

وقد أتى استقبال الأسد للوفد الكبير غداة زيارة مجموعة من الوزراء اللبنانيين لدمشق للبحث في استجرار الغاز المصري عبر سوريا، بعد انقطاع فرضه «قانون قيصر» الأميركي والانقسام الداخلي، ما يؤشر إلى زخم مستجد في العلاقة الثنائية، خصوصاً على المستوى الرسمي، وهو الأمر الذي لا يمكن فصله بطبيعة الحال عن المتغيّرات الخارجية الآخذة في النضوج والتبلور، إذ بات معروفاً انّ العبور الوزاري الآمن الى دمشق ما كان ليتمّ في هذا الظرف لولا الضوء الأخضر الأميركي و»اجتراح» استثناء لـ»قانون قيصر» في مواجهة بواخر النفط الايرانية.

 

اما الوفد الدرزي الذي ترأسه رئيس «الحزب الديموقراطي» النائب طلال أرسلان وضمّ رئيس حزب «التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهاب وشيخ العقل ناصر الدين الغريب والوزير السابق صالح الغريب، الى جانب نحو 90 شخصية من بينها عدد من المشايخ، فإنّ فكرة لقائه مع الأسد طُرحت خلال زيارة أرسلان اليه قبل فترة، لتهنئته بإعادة انتخابه لولاية رئاسية جديدة، علماً انّ «المير» كان من اوائل الذين استقبلهم الرئيس السوري عقب إعادة انتخابه.

 

ووفق المطلعين، فإنّ استقبال الأسد للوفد الموسع، بكل ما رافقه من حفاوة وتفاصيل، انما يعكس الاهتمام الخاص الذي يوليه للملف الدرزي في لبنان وسوريا في هذه اللحظة السياسية، إضافة إلى أنّه اراد التأكيد على أنّ علاقة دمشق مع العمق اللبناني لا تزال قوية على رغم الحصار والضغوط، وأنّها لا تنحصر فقط بالمستوى السياسي المحض وانما لها أيضاً بُعد أهلي.


 

وعُلم انّ العلاقة المقطوعة بين القيادة السورية ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لم تحضر بتاتاً خلال المداولات، لا مباشرة ولا مواربة، وبالتالي لم تحصل اي محاولة لإجراء وساطة او لجسّ النبض حيالها. وقد تعمّد الأسد ان يكسر البروتوكول، مرات عدة، اثناء لقائه مع ضيوفه، بدءاً من استقبالهم عند المدخل الخارجي لقصر الشعب وصولاً الى توديعهم في المكان نفسه والتقاط الصور معهم وحتى مع المرافقين، مروراً بتخصيص نحو ساعتين للقاء وإفساح المجال امام كل انواع الاسئلة.

 

كذلك، لم تخل الجلسة من بعض «النهفات» التي أطلقها الرئيس السوري، كإشارته الى انّ بعض مؤيّديه صاروا يتندرون اخيراً، بأنّ ميسي رحل عن برشلونة وبقي الاسد، وذلك رداً على الذين كانوا يتوعدونه بالسقوط.

 

وبينما تجنّب الأسد الخوض في الجزئيات الداخلية اللبنانية، اكّد أمام زواره حرصه على استقرار لبنان، وتجاوز الإساءات التي تتعرّض لها سوريا من بعض الجهات، مشيراً الى أهمية تفعيل التعاون الاقتصادي بين البلدين، ولافتاً الى انّ «قانون قيصر» يعاقب عملياً الدولتين وليس سوريا فقط.

 


وكشف الأسد انّ «كثيرين من قادة الدول العربية وغير العربية هم على تواصل معنا، لكنهم يطلبون التكتم على الأمر»، معتبراً انّ أضعف الإيمان ان يملك هؤلاء الرؤساء جرأة الإقرار بوجود التواصل. ولفت الى انّ وزير الخارجية الصيني أصرّ على ان يزور دمشق بالترافق مع احتفال تنصيبه رئيساً بعد فوزه بولاية جديدة، مشيراً الى انّ هذه المبادرة الصينية تنطوي على رسالة سياسية شديدة الاهمية، ستبدأ ترجمتها قريباً.

 

واعتبر الرئيس السوري، ان «ليس مطلوباً من المسؤول او القائد ان يرى بعينيه، لأنّ الضباب قد يمنعه من النظر احياناً بوضوح، لكن عليه ان يرى بعقله وعندها يمكنه النظر مسافة الف كيلومتر الى الامام».

 

وتؤكّد مصادر قريبة من أرسلان «انّ زيارة وفد الموحّدين الدروز الى دمشق ولقاءه مع الأسد المنتصر في الحرب، انما هي امتداد لتاريخ من الأواصر الوثيقة بين الدروز وسوريا»، مشدّدة على أن «ليس مسموحاً لأصحاب الرهانات الخاسرة أن يشوّهوا تاريخ هذه العلاقة او يحرّفوا مستقبلها». وتعتبر المصادر «انّ الزيارة في توقيتها وشكلها ومجرياتها وحصيلتها تحمل دلالات كثيرة، من أبرزها انّ التفاعل بين لبنان وسوريا هو أقوى من «قانون قيصر» الطارئ».