لأنه المؤسس الورع الإمام موسى الصدر، ولإيمانه بأنَّ الوطن ليس حجارة وإسمنتاً أو عمارة معروضة للبيع، بل إيماناً بأنه دولة قائمة ودائمة ومستمرة رغم محاولات الطائفيات السياسية الشمولية محو الدولة من الذاكرة الوطنية وإنتاج صيغ وأهداف ومشاريع وزعامات مقتطعة إقطاعية على حساب الدولة والمواطنة.. وهو القائل: إنَّ الدولة يجب أن تكون دولة سماوية لا دولة دينية، فإذا كانت الدولة تمثِّل مصالح الأقلية، فهذا ظلمٌ فاضح للأكثرية، وإذا كانت الدولة تمثِّل الأكثرية فما هي مصائر الأقلية؟ بل يجب أن تترفَّع، أي تقترب إلى السماء، أي أن تكون بعيدة عن الحزب والطائفة والفئة. هذا الإمام الصدري الذي تمسَّك (بعصا موسى) ليحترس من الطرق والمذاهب والمصالح الشخصانية الضيقة وكثرة العراقيل والحفر في شوارع هذا الوطن. فحفر على تلك العصا حفرةً عميقة قائلاً: أنا لا أنكر وجود ظالم ومظلوم، ولكن لا نريد أن نحوِّل المظلوم إلى ظالم، والظالم إلى مظلوم. لأنَّ الذي يسكت على ضيمه يصبح ظالماً بعد أن كان مظلوماً.

 

 


 من منَّا في لبنان تكلَّم عن غير مصالحه؟. فإذا كنا لا نشعر بالمواطنية الصادقة فالوطن غريب ونحن غرباء في وطننا. فسعيت جاهداً، وبعد بحث طويل، وصراع مرير، ومخاض عسير، أبصر مجلسك النور لينير دروب المحرومين ويطفئ مصابيح الحارمين في 17 أيار لعام 1969م، وعانى الصعوبات من الداخل واتهامات من الخارج، ومع ذلك استمر الجهد والبناء من أجل تحسين الأوضاع في رفع مستوى أبنائك في الوطن على كافة الميادين الثقافية والتربوية وتعليم المهن وتمكين أصحاب الكفاءة من حملة الشهادات العلمية في مجال التوظيف الذي يستحقونه من أجل أن تكون المنافسة شريفة في هذا البلد المؤسساتي، كي لا تصبح تلك المؤسسة شكلية ـ بحسب تعبير التقي الورع الإمام موسى الصدر ـ تزين مجالس الحكام وتكمل زينة البلاد والطقوس الفارغة تخدر أحياناً وتغضب المحرومين دائماً.  وقال الإمام الصدر: لقد بدأنا الحركة بهذا الأسلوب لأننا نؤمن بالله ونعرف أن الذي لا يهتم بأوضاع المحرومين هو كافر به ومكذِّب بالدين بحسب النص القرآني. لا ندري سيدنا موسى الصدر ما هي المعايير والمستندات المطلوبة لكي ينتسب المرء إلى هذه المؤسسة المباركة التي باركتها من أجل رفع المظلومية عن كل المحرومين؟ بل ما هو المطلوب أيضاً لكي يكون المرء موظفاً في تلابيبها؟ وما هي الشروط التي تمنح أن يكون المرء مفتياً في مكاتبها؟ لأننا يا أمام المحرومين ونحن من حركة المحرومين ننام على تعيين مفتٍ هنا ونستفيق على (مفتين) هناك وما بينهما أسيادٌ وشيوخ؟؟. ولأننا نؤمن بخطك ونهجك وبإيمانك كما قلت: نؤمن بلبنان وطناً عزيزاً تجب علينا صيانته ومنعه من الإنفجار ونعرف أن التصنيف والظلم قضيا على بلاد كثيرة ولا نريد أن نرى وطننا ممزقاً منفجراً من الداخل... ولأننا نؤمن بحركتك الوطنية المفطومة عن الطوائف وذهنيات المذاهب والمحسوبيات، ومشبَّعة بروح الديمقراطية والعلمنة المؤمنة وبمؤسسات الوطن الذي يتساوى فيه جميع أبنائه في الحقوق والواجبات، وتُمارس فيه الخصوصيات وتستقيم فيه المعايير القانونية والدستورية...