منذ أن أعلن القصر الجمهوري عن الدعوة الاميركية لتحقيق مشروع نقل الغاز المصري والكهرباء الاردنية الى لبنان عبر سوريا، والتساؤلات تتوالى حول الخلفية السياسية وراء ذلك.

يومها، طلبت السفيرة الاميركية في بيروت من الرئاسة اللبنانية ان تعلن هي عن مضمون الموقف الاميركي، من خلال بيان لبناني رسمي. الموقف الاميركي جاء يومها بعد ساعات على ما كان قد اعلنه امين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله حول انطلاق باخرة مازوت من ايران مخصصة للبنان، ولذلك ربط البعض بين الحدثين ووضع القرار الاميركي في اطار «القوطبة» على سعي ايران لفتح الابواب اللبنانية امامها بشكل اوسع من باب ازمة الكهرباء. وقد جاء القرار الاميركي ايضاً في لحظة اعادة ترتيب خارطة النفوذ السياسي في الشرق الاوسط.


 

صحيح انّ الملف السوري لم يُفتح بعد امام التسويات السياسية، لكن ثمة تحضيرات كثيرة جارية على قدم وساق، منها ما هو عسكري مثل ما يحصل في درعا وايضاً في ادلب. ومنها ما هو سياسي وهو ما تمهد له روسيا بشكل خاص، بالتنسيق مع الاميركيين، ومنها ما هو اقتصادي وهو ما جرى وضع الخطوة اللبنانية في اطاره وعلى اساس التمهيد لإزالة «قانون قيصر» في وقت لاحق، اي اعطاء اشارة مبكرة في هذا الاتجاه.

 

اضف الى ذلك، انّ هذا المشروع سيسمح باستفادة الخزينة السورية من خلال ادخال رسوم مالية هي بأمس الحاجة اليها. وقد يكون لهذين التفسيرين جانب من الصحة، لكن ثمة اولوية مطلقة حتّمت على واشنطن تعديل موقفها من مسألة العلاقات اللبنانية - السورية. وهذه الاولوية الملحة هي بمنح لبنان بعضاً من الاوكسيجين، لا سيما أن الاسابيع الماضية شهدت ما يشبه الاحتضار للبنان وكادت الدولة ان تتوقف عن التنفس في ظل فقدان الكهرباء بالكامل وتوقف كهرباء المولدات بشكل كبير، ورغم خطورة الوضع لم يتحرك المسؤولون في لبنان لتقديم تنازلات وفتح الطريق امام ولادة الحكومة.

 

الموافقة الاميركية على زيارة اول وفد رسمي لبناني رفيع المستوى منذ اكثر من عشر سنوات الى سوريا للبحث في موضوع استقدام الغاز المصري واستجرار الكهرباء من الاردن عبر الاراضي السورية، وهو ما يعني وضع اول استثناء لتطبيق «قانون قيصر»، هذه الموافقة جاءت واضحة عندما طلب احد الوزراء الثلاثة سماع الموافقة الاميركية مباشرة وشخصياً من السفيرة الاميركية. وكان جواب شيا لأحد الوزراء المشاركين بالوفد ان بلادها موافقة تماماً على حصول هذه الزيارة.


 

قبل ذلك بأسابيع معدودة، سعى أحد المصرفيين والذي كان اسمه مطروحاً ليكون ضمن التشكيلة الحكومية للرئيس نجيب ميقاتي، الى سؤال السفيرة الاميركية رأيها حول الموضوع.

 

وكان جوابها ان القرار يعود له وحده. لكن عندما توسّع المصرفي في خلفيات سؤاله خصوصاً لناحية ان وزراء حكومة ميقاتي قد يكونون ملزمين بزيارة دمشق، اجابت السفيرة الاميركية أن هذه الخطوة ستخضع حتماً لموجبات «قانون قيصر». وفهم المصرفي ان هذا الامر سيطال مصالحه الخاصة، ما دفعه لإبلاغ الرئيس ميقاتي عدم رغبته بطرح اسمه في التشكيلة الحكومية الجاري تحضيرها.

 

اذاً، ثمة تبدل واضح في الموقف الاميركي وخلال فترة اسابيع. والوفد الذي تولى تشكيله بشكل مباشر رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب بمساعدة مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم، لم يقتصر فقط على الجانب التقني البحت، وإلا لكان اقتصر فقط على وزير الطاقة ريمون غجر والى حدٍ ما وزير المال غازي وزني رغم ان الامور المالية لم يحن وقتها بعد.


 

فتضمين الوفد نائب رئيس الحكومة زينة عكر بصفتها وزيرة للخارجية، انما فيه جانب سياسي واضح. ربما كان الهدف لإعطاء وزن سياسي للوفد، رغم انّ النقاشات التي حصلت لم تخرج لحظة عن الاطار التقني ولم تقارب الجوانب السياسية لا من قريب ولا من بعيد. لكن لا شك في أن القراءات المختلفة للزيارة جاءت ايجابية لكن لا بد من الاشارة الى ان هذا المشروع سيكون بحاجة للتمويل من البنك الدولي من اجل اصلاح الاضرار الكثيرة الموجودة ان في سوريا او في لبنان. وطبعاً للبنك الدولي شروطه والتي تستند في نهاية الامر الى المناخ السياسي لواشنطن.


 

وقبل الزيارة الوزارية اللبنانية الرسمية الى دمشق بساعات، كان وفد من الكونغرس الاميركي يزور لبان حيث اعتبر السيناتور الديموقراطي ريتشارد بلومنتال ان لبنان في وضع «السقوط الحر»، معرباً عن امله بأن لا تصبح قصته «قصة مرعبة»، وعن امله في تشكيل حكومة بشكل سريع. وبلومنتال هو يهودي واكثر اعضاء مجلس الشيوخ ثراءً.

 

وعلى رغم الصورة السوداوية، إلا أن اعضاء الوفد عادوا من لبنان وهم يحملون انطباعاً بأن هذا «الخراب» الموجود قابل للاصلاح شرط ان يلتزم المسؤولون اللبنانيون بالاصلاحات المطلوبة ما سيدفع واشنطن لحزم امرها للبدء بمساعدة لبنان.

 

في العادة، إن زيارات اعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب الاميركيين تصب في اطار زيارات الاستكشاف اكثر منها في اطار التنفيذ العملي. قبل وصول هذا الوفد كانت زيارة همة لرئيس المخابرات المركزية الاميركية السفير وليم بيرنز الى لبنان حيث تطرق الى مسائل التنسيق الامني الاميركي – اللبناني وملف الجنوب. لكنه شدد ايضاً على وجوب ولادة حكومة تتولى اتخاذ قرارات الاصلاح كمدخل الزامي.

 

وقال بيرنز: وضعكم صعب جداً وخطير وانا اضمن لكم انكم ستنالون مساعدات عاجلة حتى من دول الخليج شرط ان تشكّلوا حكومة تحظى بالمواصفات الاصلاحية اللازمة. وألَحّ بيرنز على ضرورة ولادة الحكومة سريعاً، وتجاوز هذه الخلافات غير المفهومة.

 

بدورهم، شدّد أعضاء وفد رجال الكونغرس الاميركي، على موضوع ولادة الحكومة سريعاً وابدوا تفاؤلهم بعد التزام رئيس الجمهورية بولادة الحكومة خلال يومين او ثلاثة. وتعمدوا ابلاغ الجميع بما سمعوه بوضوح، ربما لإلزام الرئيس عون بموقفه، لكن الحكومة تعثرت لأسباب غير مفهومة.

 

لكن اللافت، والذي لم ينتبه اليه احد رغم اهميته، هو وجود محامٍ متخصص بالقانون الضريبي والعقوبات الاميركية من ضمن اعضاء الوفد وهو يدعى جوشوا ألتمان. ربما كان الوفد قد تحضر لاحتمال ان يتطرق احد المسؤولين اللبنانيين الى ملف العقوبات الاميركية على اشخاص ومسؤولين لبنانيين. لذلك جرى اصطحاب هذا المحامي الاميركي المتخصص في هذا المجال لكن احداً لم يتطرق لهذا الملف، ما يعني ربما انه في حال جرى طرح هذا الموضوع فإن الجواب لن يكون سياسياً بل تقني، وبما معناه ان الملف ما يزال حتى الساعة خارج اطار البازار السياسي، وأن معالجته محصورة في جانبه التقني والقضائي.

 

هي اشارة لم يلاحظها أحد، رغم أنها معبرة جداً.