هل تحمل نهاية الأسبوع بداية لمرحلة جديدة مع تشكيل الحكومة، كما توقّع رئيس الجمهورية أمام وفد مجلس الشيوخ الأميركي، أم سيُصاب اللبنانيون بخيبة امل جديدة وتسقط وساطة اللواء عباس ابراهيم في بئر النيات المضمرة المزدحم بأشلاء المبادرات والوساطات؟

ما أن تتقدّم احتمالات الإفراج عن الحكومة حتى تتراجع مجدداً، وما ان تغدو ولادتها قريبة حتى ينصب شيطان التفاصيل كميناً جديداً لها على باب «الرحم السياسي» الذي ستخرج منه، وهكذا دواليك. هذه هي الدوامة التي تدور فيها مساعي التشكيل منذ تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، في انتظار ان يكسرها قرار بالخروج من نفق الحسابات الضيّقة.

 


ويبدو انّ ميقاتي يدرس خطواته جيداً بعيداً من الانفعال الشخصي. وبمقدار ما هو يستعجل إنجاز التأليف، يريد في الوقت نفسه بأن تكون الحكومة مهيأة في تركيبتها لتنفيذ طلائع الإصلاحات ولكسب ثقة دولية، تفتح أمامها بوابة المساعدات. والأرجح انّه لن يجازف بترؤس حكومة تنتهي مغامرتها الى حيث انتهت حكومة الرئيس حسان دياب، او تؤدي إلى إلحاق أضرار سياسية به قد تصيب ايضاً امبراطوريته المالية.

 

اما عون، فمن المفترض انّه وصل إلى الحدّ الأقصى من عملية «استثمار» صلاحياته الدستورية وتوقيعه الرئاسي في المفاوضات مع سعد الحريري اولاً ثم نجيب ميقاتي ثانياً.

 

هو يعلم أنّه الأقوى في مرحلة ما قبل التشكيل، لأنّه يتسلّح بالتوقيع الإلزامي الذي يحوّله شريكاً كاملاً في اختيار الوزراء وصنع توازنات الحكومة، بينما يصبح بعد التشكيل الأضعف، بالمقارنة مع صلاحيات رئيس الحكومة صاحب السلطات الواسعة، وحتى الوزراء الذين منحهم اتفاق الطائف صلاحيات جوهرية.

 

من هنا، حاول عون خلال الاشهر السابقة ان يستفيد من عناصر قوته القليلة المتبقية في الدستور، للتفاوض بندّية مع الرؤساء المكلّفين المتلاحقين، سعياً الى تحسين شروط الحكومة وموقعه فيها، لمعرفته بأنّ جزءاً كبيراً من اللعبة يصبح خارج سيطرته منذ لحظة إصدار المراسيم، وبالتالي، فإنّ ما يستطيع تحصيله الآن سيشكّل رصيده الأساسي الذي سيصرف منه في مجلس الوزراء المقبل بعد وضعه في الخدمة.


 

ولكن، ماذا لو وقع الأسوأ وأخفقت محاولات الإفلات من عنق الزجاجة، على رغم كل التحذيرات من العواقب الوخيمة التي ستترتب على التفريط بالفرصة الحالية؟

 

ينبّه المطلعون، الى انّ عدم تشكيل الحكومة لن يمرّ مرور الكرام، بل سيؤدي الى التدحرج نحو فوضى أكبر ومجهول أخطر، الأمر الذي سيحول البلد «مشاعاً دولياً».

 

ومن شأن حالة انعدام الوزن عندها ان تضع الانتخابات النيابية المقبلة في مهبّ الريح، علماً انّ المجلس الحالي، إذا جرى التمديد له، لن يتمكن في رأي بعض الاوساط السياسية والدستورية من انتخاب رئيس جديد للجمهورية «لأنّه ناقص الميثاقية، نتيجة الخلل المستجد في المناصفة ببن أعضائه المسلمين والمسيحيين بعد استقالة 11 نائباً من بينهم 9 مسيحيين، وعدم إجراء انتخابات فرعية لانتخاب بدائل وملء الشغور».

 

وإزاء استفحال المخاطر الداهمة وتكرار الأزمات التي تعصف بلبنان في مواسم الاستحقاقات، أصبحت هناك حاجة ملحّة، وفق رأي شخصية حيادية، الى مواجهة الحقيقة وامتلاك جرأة الذهاب نحو تعديل مكامن الخلل الواضحة في الدستور الولاّد للأزمات والمآزق، «اذ ليس طبيعياً على سبيل المثال ان تتقزم الولاية الفعلية لرئيس الجمهورية الى حدود 3 سنوات فقط وليس 6، في اعتبار انّ العهد يكون معطلاً ومشلولاً خلال السنوات الثلاث الأخرى، التي تضيع في متاهات الفراغ في السلطة التنفيذية، والسعي الى التفاهم على حكومة. وبالتالي، فإنّ المشكلة ليست في ميشال عون او ميشال سليمان او غيرهما، وليست في سعد الحريري او تمام سلام او نجيب ميقاتي، بل هي في اصل النظام الذي اثبت فشله الذريع، وباتت هناك ضرورة ملحّة لتطويره، والأفضل ان يتمّ ذلك على البارد بدل ان يتمّ على أنقاض فوضى داخلية مدمّرة».


 

وتلفت تلك الشخصية، الى انّ المسيحيين هم أكثر من يدفع الثمن، والتقديرات تشير الى انّهم يشكّلون النسبة الأكبر من موجة الهجرة التي اشتدت اخيراً تحت وطأة تداعيات الانهيار العام وانفجار المرفأ، «وما عليك سوى أن تستفسر من الأمن العام أو السفارات الاجنبية حول هوية المهاجرين الجدد حتى تتكشف لك هذه الحقيقة بالأرقام».

 

ولذا، المطلوب على عجل حكومة تلجم ليس فقط الأزمة الاقتصادية، وإنما ايضاً النزف البشري الذي يهدّد بأن يفقد لبنان آخر طاقاته. فهل من يستمع الى رنين جرس الإنذار؟