منسوب التفاؤل الذي ظهر في الملف الحكومي، خلال اليومين الأخيرين، جاء مفاجئاً وخارج أي سياق منطقي. ففي الواقع، ليست هناك حلحلة للعُقَد بين الرئيس ميشال عون والرئيس نجيب ميقاتي، لأنّ لا عُقَد حقيقية موجودة في الأساس، ولأنّ العُقد الموجودة فعلاً حول الأسماء والحقائب والحصص ليست في الحجم الذي يقف عائقاً أمام التأليف. لذلك، لا حلحلة حكومياً إلّا إذا كان هناك «شيء ما» يدور في الكواليس، في مكان آخر، وتحديداً بين الأميركيين والإيرانيين. وهذا الأمر لا يستلزم أكثر من أيام معدودة للتأكّد إذا كان موجوداً.

واقعياً، المعطيات التي أدّت إلى تعثّر الرئيس سعد الحريري واعتذاره بعد 9 أشهر من المراوحة لم تتغيّر مع ميقاتي. والعقدة الحقيقية التي يجري إخفاؤها بمسائل سطحية هي عدم وجود قرار «عميق» بتأليف حكومة.

ad
 

فالقوى القادرة على الحل والربط، وتحديداً الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب وإيران، ولضرورات متناقضة، لا تريد تأليف حكومة إلّا في السياق الذي يخدم مصالحها… وإلّا فلتبقَ حكومة تصريف الأعمال، الهزيلة أساساً. وبالتأكيد، هي توعز إلى حلفائها بالتشدُّد والمواجهة.

 

ولن يصدّق عقلٌ راجح ما يجري تسريبه للرأي العام والإعلام من المبررات الساذجة لتعثر التأليف، والتي توحي بأنّ عون والحريري وميقاتي أقوياء إلى الحدّ الذي يسمح لهم بتعطيل تأليف الحكومة طوال 13 شهراً، وبأنّ لا «حزب الله» ولا الأميركيين ولا السعوديين قادرون على التأثير وفرض التشكيل!

 

وفي عبارة أوضح، لا مجال لنجاح الوساطات في التأليف إلّا إذا توافرت لهم ظروف حقيقية. والدليل هو النكسات المتتالية التي أصيب بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تحرّك مكوكياً، وتكراراً، هو وموفدوه، وتلقّى الوعود بالتسهيل من القوى السياسية، وارتفعت موجات التفاول مراراً. لكن الوعود المقطوعة كانت دائماً مزوَّرة.

 

واليوم، يدرك الوسطاء الجدّيون أنّ من العبث أن يتحرّكوا إذا لم يكن لديهم ضوء أخضر إقليمي ودولي، وفي طليعة هؤلاء المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي، بالتأكيد، يدرك مسبقاً إذا كان يملك فرصاً حقيقية أو أنّ الحراك هو لتقطيع المزيد من الوقت.

 

ad
بعض المتابعين لا يستبعد أن يكون قد حدث «شيء ما» في الكواليس بين الولايات المتحدة وإيران، ولو جزئياً وموضعياً، يتعلق بالساحة اللبنانية. وثمة مَن يقول إنّ الولايات المتحدة رضخت لشروط إيران بعدما أحبطت بمحاولاتها إخضاع «حزب الله» بالحصار والعقوبات. وتالياً، قرّرت التعاون مع القوي على الساحة. وهذا يعني وجود فرصة لإيران كي تؤلف حكومة تتمتع فيها بثقل وازن.

 

لكن آخرين يرون أن لا دلائل حقيقية إلى صحة هذه الفرضية. وهم يفضلون الانتظار أياماً أخرى، لِفَهْم الإشارات المثيرة للتساؤل الصادرة عن الولايات المتحدة وإيران في الفترة الأخيرة، والمتعلقة بلبنان، ومنها مثلاً:

 

ماذا سيفعل الأميركيون في مسألة بواخر المحروقات الإيرانية التي ستصل إلى سوريا وتُنقل براً إلى لبنان؟ وما المغزى الحقيقي لطرحهم استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر، عبر سوريا؟ وما الهدف من زيارة وفد الكونغرس الأخيرة والرسائل التي وجّهها؟ وهل تمثل فعلاً اتجاه الإدارة الأميركية في لبنان؟

 

إذا كان هناك «شيء ما» يحدث بين الأميركيين والأيرانيين، و»حزب الله» استطراداً في لبنان، وتشكّلت حكومة، فذلك يعني أنّ العام الباقي من عهد عون سيشهد فرصاً لإنتاج تسوية سياسية، وأنّ محطة الانتخابات النيابية التي تمّ تحديد مواعيدها في أيار، ستكون جزءاً من هذه التسوية، وستكون الانتخابات الرئاسية تتويجاً لها، قبل خريف 2022.

 

ولكن، في نظر العديد من المراقبين الجدّيين، لا مجال للسقوط في أوهام تسويات ما زالت حتى اليوم بعيدة المنال. فالمناخ يزداد سخونة بين محور واشنطن وحلفائها- ولاسيما المملكة العربية السعودية وإسرائيل- ومحور إيران. ولا أفق لتسويات، حتى ظرفية وموضعية يمكن أن يستفيد منها لبنان.


 

ولذلك، وفي غياب أي تسوية إقليمية، سيدخل لبنان في المزيد من الاهتراء، بدءاً من هذا الشهر، أيلول، وستكون التداعيات قاسية جداً على المستوى الاجتماعي. وفي رأي هؤلاء المراقبين، أنّ كلام التفاؤل مدروس لتخفيف بعض الألم وتنفيس بعض النقمة لا أكثر، وسرعان ما سينتهي ليتمّ اختراع أساليب جديدة للإلهاء.

 

وفي تقدير هؤلاء، أنّ حالاً من الفوضى ستسود الوضع اللبناني، لا يمكن تصوُّرها، في الخريف المقبل، والسيناريو الغالب حينذاك هو أن تطير الانتخابات النيابية ويتخذ عون من ذلك ذريعة ليستمر في بعبدا. وبعد ذلك، سيكون لكل حادث حديث.