أما على المستوى المعنوي، وهذا ما لا وجود له في العقل الاميركي كما الاسرائيلي على عكس العقل الشرقي، فأميركا لا تمانع من منح خصومها انتصارات صورية تستعمل من على المنابر والشاشات، طالما ان هذا الخصم المفترض سوف يجيّر هذه الانتصارات بما يخدم المشروع الاميركي في المنطقة وفي مقدمته تدمير المجتمعات المحيطة بإسرائيل عبر سحق مفهوم الدولة ومؤسساتها وهذا ما يفعله حزب الله بكل ما أوتي من قوة.
 

لو أننا سوف نؤخذ بالاجواء والمؤثرات الصوتية التي رافقت إعلان الامين العام لحزب الله استقدامه باخرة مازوت ايرانية، كان من المفترض أن نتصور (كما يرغب السيد)، أن الرئيس الاميركي جو بايدن في هذه اللحظات يجلس وراء مكتبه في البيت الابيض وبين يديه برقية مستعجلة آتية من قيادة حاملة الطائرات "إيزنهاور"، تخبره عن وصول الباخرة الايرانية الى مياه البحر المتوسط ونخرها عباب موجه، وهم بانتظار ما سوف يقرره ليبنى على الشيء مقتضاه، مع ملاحظة أسفل البرقية أن كل القواعد العسكرية الاميركية بالمنطقة من التنف في سوريا وصولا الى شواطئ عُمان مرورا بمصر والاردن وقطر والسعودية والعراق وتركيا واليونان وايطاليا والمانيا من دون أن ننسى طبعا القاعدة الاكبر اسرائيل، هم ايضا بانتظار الرد.

 


 
وبالعودة الى البيت الابيض، فبايدن الذي يحمل البرقية بكلتا يديه المرتجفتين، ومن حوله كبار القادة العسكريين مع وزير الدفاع ومدير المخابرات، وجميعهم طبعا يندبون حظهم ويصفعون وجوههم ويتخبطون ببعضهم البعض ذهابا ورواحا في الغرفة لا يدرون ماذا يفعلون وتمتلكهم موجة من الرعب والقلق والاضطراب وهم يشاهدون الباخرة تسير بخيلائها على شاشة ضخمة أمامهم، غير آبهة بما يحيطها من كل تلك القواعد المدججة بأعتى وأحدث أنواع الاسلحة لأقوى جيش في العالم، الا أن تهديد نصرالله واصبعه وعزمه وإرادته وبسالة مقاتليه تقف حائلا دون تجرؤ اميركا على مجرد التفكير بالمساس بالباخرة التي سوف تصل قريبا بإذن الله ونصره الى محطّ رحالها الاخير آمنة مستقرة ببركة الصلاة على محمد وآل محمد. 

 

 

هذه المشهدية الهوليودية المتخيلة، هي التي يريدنا نصرالله ومحوره ان نعيشها منذ الاعلان في العاشر من محرم والى حين وصولها، من أجل أن نصدق خطابه المرتقب عند الاستقبال هو وكل ابواق المحور من محللين استراتيجيين كحطيط وجابر وعبد الساتر وزهران وجواد وقنديل وإن كنت أنسى فلا أنسى علي حجازي وهم يخبروننا عن الانتصار الإلهي الجديد وعن المعادلات التي "تشقلبت" رأسا على عقب.

 

 

اقرأ أيضا : أعتذر من حركة امل

 

 


 
الآن تعالوا معي الى ارض الواقع، ولنحاول ان نقارب العقل الاميركي وكيف يتعاطى هو مع الاحداث لا كما يريدنا محور الممانعة أن نعتقده، أولا العقل الاميركي لا يتصرف وفق المعايير العربية بلغة الثأر والنكاية والضوضاء الفارغة والعنتريات الخاوية، المعيار الاول والاخير هو فقط في خدمة مشروعه ومصالحة بعيدا عن المسميات والخطابات الصوتية.

 

 

 فأميركا التي تعاقب ايران وتمنع عليها تصدير نفطها هي نفسها منحت استثناءات كبرى للثمانية دول تواصل شراء النفط الايراني ( الصين – الهند – اليونان – ايطاليا – اليابان – كورية الجنوبية – تايوان ) 
بالمقابل فإن باخرة او باخرتين او ثلاثة واربعة، فلا تعتبر انها تزعزع "مقاصد العقوبات" وما تهدف اليه، بالاضافة الى هذا، فاذا اعتبرنا ان البواخر الثانية وما بعدها هي هبات ايرانية فهذا يعتبر بالنظرة الاميركية مزيدا من استنزاف الاقتصاد الايراني  وزيادة في الاعباء على مالية النظام الايراني.

 

 

أما على المستوى المعنوي، وهذا ما لا وجود له في العقل الاميركي كما الاسرائيلي على عكس العقل الشرقي، فأميركا لا تمانع من منح خصومها "انتصارات" صورية تستعمل من على المنابر والشاشات، طالما ان هذا الخصم المفترض سوف يجيّر هذه الانتصارات بما يخدم المشروع الاميركي في المنطقة وفي مقدمته تدمير المجتمعات المحيطة بإسرائيل عبر سحق مفهوم الدولة ومؤسساتها وهذا ما يفعله حزب الله بكل ما أوتي من قوة.

 

 

وأمام هذه الحقيقة وهذا المعطى وطريقة تفكير الاميركي فانا اعتقد بأن أميركا سوف تحمي الباخرة الايرانية بأشفار عيونها، وتضمن وصولها الى وجهتها الاخيرة بسلام، واستعمالها فيما بعد كورقة ضغط لمزيد من دفع لبنان نحو الهاوية بقيادة حزب الله وميشال عون فيما حقيقة الأمر أن بايدن وبينت يقهقون في سرهم .