بعدما أصبحت المصارف تحت وطأة أزمة شحّ الدولار وفقدانها للسيولة الاجنبية في مقابل اضطرارها تنفيذ تعاميم مصرف لبنان، وأبرزها التعميم 154 لزيادة رأسمالها وتكوين سيولة في الخارج، والتعميم 158 الذي يلزمها تسديد 400 دولار نقداً شهرياً لعملائها، باتت الاخيرة لاعباً أساسياً في السوق السوداء بحثاً عمّا وُجد من دولارات في تلك السوق وجمعها.
 
أصبحت بعض المصارف تقوم بعمل الصيارفة، فتشتري وتبيع الدولارات واللولارات من عملائها ومن السوق السوداء، إن لتأمين السيولة النقدية الاجنبية التي تحتاجها او لتسوية الديون المتعثرة لبعض عملائها، او من خلال إغرائهم بحفنة من الدولارات الـ fresh مقابل اقفال حساباتهم المصرفية بالدولار، وبالتالي تقليص حجم ودائعها الدولارية وخفض قيمة خسائرها المستقبلية. وهي خطوة تهدف الى تحسين ميزانيات المصارف تحضيراً للمرحلة المقبلة التي ستشمل دمج المصارف التي تتمتّع بوضعية سليمة نوعاً ما، وتصفية عدد باتَ معروفاً من المصارف التي تمادت في الاخفاقات وصولاً الى الافلاس.
 
 
 
ودفعت حاجة المصارف للسيولة النقدية بالعملات الاجنبية الى تجنيد مدرائها على كافة المستويات على اقناع الزبائن إمّا بإقفال حساباتهم باللولار او الليرة مقابل حصولهم على نسب ضئيلة من السيولة النقدية بالدولار، او حَثّ الزبائن أيضاً على شراء شيكات مصرفية من حسابات زبائن آخرين مقابل تأمين الدولارات النقدية. وقد صعّبت هذه الممارسات على مصرف لبنان إمكانية التحكّم بالسوق السوداء في ظلّ وجود لاعبين آخرين يفعّلون المضاربة في تلك السوق ويضغطون على سعر صرف الدولار.
 
 
 
في هذا الاطار، أصدر مصرف لبنان تعميماً اساسياً يحمل رقم 159، وجّهه الى المصارف ومفوضي المراقبة، ويتعلق بقيود استثنائية على بعض العمليات التي تقوم بها المصارف، حيث حَظّر التعميم على المصارف العاملة في لبنان شراء العملات الاجنبية في السوق الموازي، إلا انه سمح لها شراء العملات الاجنبية المحوّلة مباشرة من الخارج لزبائنها على سعر السوق، وذلك حصراً لغايات استثمارية ومتوسطة وطويلة الاجل او لتحسين التزامات في الخارج على ان يتم تسجيل هذه العمليات على المنصة الالكترونية لعمليات الصرافة.
 
 
 
كما منع مصرف لبنان المصارف من بيع وشراء الشيكات والحسابات المصرفية بالعملات الاجنبية لحسابها بطريقة مباشرة او غير مباشرة، وطلب منها التصريح الى لجنة الرقابة على المصارف خلال مهلة حدها الاقصى 15 ايلول المقبل، عن مجموع كل من العمليات المذكورة آنفا والتي قامت بها منذ العام 2019 حتى تاريخ صدور هذا التعميم. وعاد البنك المركزي واصدر بيانا توضيحيا يؤكد فيه ان شراء المصارف العملات الاجنبية المحولة مباشرة من الخارج لزبائنها على سعر السوق، يتم حصرا في حال رغب هؤلاء الزبائن بذلك. وأوضح انّ التعميم المذكور ليس من شأنه ان يمسَّ بحريّة استعمال الاموال الجديدة من قبل صاحبها للاستفادة من السحوبات النقدية بعملة هذه الاموال ومن الخدمات المصرفية كافة المقدمة من المصرف بما في ذلك التحاويل الى الخارج وخدمات البطاقات المصرفية في لبنان والخارج.
 
 
 
 
فهل انّ الهدف من هذا التعميم ان يحتكر مصرف لبنان السوق السوداء؟
 
في هذا الاطار رأى النائب السابق لحاكم مصرف لبنان غسان العياش انه اذا حسُنت النوايا فإن هدف التعميم 159 يكون تمكين مصرف لبنان من ضبط شراء المصارف اللبنانية للدولار من السوق السوداء، وبالتالي تأجيج سوق القطع، فاشترط على المصارف أن يتمّ تسجيل عمليات شرائها العملات الأجنبية على المنصّة الالكترونية لعمليات الصرافة.
 
 
 
وقال لـ«الجمهورية»، انّ التعميم حدّد الحالات الضيّقة التي يسمح بها للمصارف شراء العملات الأجنبية.
 
 
 
ما يلفت النظر أنّ التعميم صدر حاملاً بعض العبارات المبهمة مثل «سعر السوق»، وقد تخوّفت الأوساط المعنية من أن يكون هدف التعميم استحواذ مصرف لبنان على مبالغ العملات الواردة من الخارج وتسديدها للزبائن بالليرة اللبنانية. ومصدر هذه المخاوف ترتيبات سابقة لمصرف لبنان بهذا الاتّجاه شملت المبالغ المحوّلة عن طريق شركات تحويل الأموال.
 
 
 
ورأى عياش انّ الظروف التي تمرّ بها البلاد تقتضي تشجيع غير المقيمين على زيادة تحويلاتهم للمقيمين، وليس العكس. فإذا تبيّن أن مصرف لبنان يستأثر بما يحوّلونه لذويهم ويَتعَسّف بتحديد سعر الصرف الذي تحوّل الأموال على أساسه، فإنّ هذا يؤدي إلى خفض التحويلات عن طريق المصارف، وهذا تماماً عكس مصلحة الاقتصاد اللبناني في الظروف الراهنة.
 
 
 
 
واعتبر انّ التطمينات التي صدرت عن مصرف لبنان مُفيدة، حيث أكدت على حق متلقّي الأموال بقَبضها بعملة التحويل، مشيراً إلى انه ليس من عادات المصارف المركزية ان تصدر تعليمات غامضة تُلحِقها بتوضيحات.