كتب غسان ريفي في "سفير الشمال": لم يسبق في تاريخ دولة لبنان الكبير وصولا الى لبنان المعاصر أن تعرض موقع رئاسة الحكومة اللبنانية الى مثل هذا الاستهداف الذي يترجم اليوم بأوجه متعددة، بدءا من تعطيل تشكيل الحكومة لأسباب أقل ما يقال فيها أنها تافهة، في وقت يكاد المواطنون يلفظون أنفاسهم الأخيرة تحت وطأة الأزمات المتلاحقة، مرورا بإعتماد نظام رئاسي من خلال مجلس الدفاع الأعلى الذي بدأ يحل مكان الحكومة، وصولا الى قيام المحقق العدلي ومن دون وجه حق دستوري أو قانوني بتسيطر ورقة إحضار لرئيس الحكومة حسان دياب بتهمة التقصير في الواجبات الادارية بما يتعلق بتفجير مرفأ بيروت.

 

 

لم يُجمع اللبنانيون على أمر كما يجمعون اليوم على ضرورة معرفة كل مندرجات الحقيقة في تفجير مرفأ بيروت، خصوصا أن ما أصاب عوائل الشهداء أصاب كل لبناني بالصميم، وبالتالي فإن جريمة من هذا النوع لا يمكن أن تمر من دون عقاب قاس لكل المتورطين مهما علا شأنهم، ما يضع المحقق العدلي القاضي طارق البيطار أمام مسؤولية وطنية تدفعه الى التعامل مع المعنيين بهذه القضية كأسنان المشط من أجل تحقيق العدالة.

 

 

ما يجري حتى اليوم في هذه القضية لا يبشر بالخير لا على المستوى الوطني، ولا على مستوى تحقيق العدالة لعوائل الشهداء، خصوصا أن ثمة إستنسابية قضائية ـ سياسية واضحة بدأت تُعتمد، وهي من شأنها أن تضيّع التحقيق ومعه حقوق أولئك الشهداء الذين قتلوا ظلما وإهمالا.

 

اللافت أن المحقق العدلي طارق البيطار تجاوز الادعاءات التي سبق وسطرها بحق وزراء وقادة أمنيين لم يحضروا الى دائرته للتحقيق، إما بفعل حمايات سياسية، أو بفعل حصانات لم ترفع، ولم يسطر بحقهم أوراق إحضار أو مذكرات جلب، في حين أن مجموعة من النواب تقدمت بإقتراح قانون يقضي برفع كل الحصانات من أي نوع كانت ودون إستثناءات لتسهيل مهمة القاضي البيطار الذي لم يجد في كل الدولة اللبنانية وكل المسؤولين الذين تعاقبوا على نيترات الأمونيوم الموجودة في العنبر رقم 12 منذ العام 2014 سوى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ليستقوي عليه ويسطر بحقه ورقة إحضار غير دستورية.

 

 

واللافت أيضا أن الرئيس دياب أمضى في رئاسة الحكومة أقل من سبعة أشهر من 21/1/2020 الى 10/8/2020، في حين أن النيترات تم تفريغها في حزيران من العام 2014 وبقيت ست سنوات ونيف، كان فيها العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية منذ 31/10/ 2016، أي ما يقارب الأربع سنوات، فضلا عن وزراء الأشغال المتعاقبين والقادة الأمنيين، فلماذا تحميل الرئيس دياب مسؤولية ما حصل وتسطير بحقه ورقة إحضار؟وما هو الهدف من وراء تسريب هذه الورقة الى وسائل الاعلام؟وهل بدأ الاستهداف الفعلي والعلني لموقع رئاسة الحكومة لإضعافة وكسر هيبته؟وهل بدأ فريق العهد بالانقضاض رسميا على إتفاق الطائف وعلى الدستور الذي يتضمن آلية واضحة في محاسبة الرؤساء؟

 

 

إذا كان الرئيس حسان دياب بنظر القاضي البيطار مقصرا وتجب محاكمته، فإن الرئيس ميشال عون إعترف أمام الملأ وعبر وسائل الاعلام بأنه كان يعلم بوجود النيترات قبل 15 يوما، والاعتراف هنا سيد الأدلة على التقصير!!..

 

وإذا كان الرئيس دياب صاحب الاختصاص الأكاديمي لا يعلم بماهية النيترات وإستخداماتها العسكرية وتأثيرتها التفجيرية، فإن الرئيس عون هو ضابط وخبير متفجرات وقائد جيش سابق ومن الطبيعي أنه يعلم بخطورة تخزين النيترات بهذه الطريقة، ورغم ذلك لم يقم بما يمليه عليه الواجب الوطني في حماية البلاد والعباد!!

 

 

وإذا كان الرئيس دياب في ظل ما يسمى بالرئيس القوي، لا يمتلك القدرة الكافية للتحكم بالأجهزة الأمنية والعسكرية، فإن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وكان بوسعه دعوة رئيس الحكومة والمجلس الاعلى للدفاع وإعلان حالة الطوارئ الى أن يصار الى إزالة هذه المواد الخطرة من المرفأ، لكن ذلك أيضا لم يحصل.

 

 

أمام هذا الواقع تأتي خطوة القاضي البيطار بتسطير ورقة إحضار بحق رئيس الحكومة، مدفوعة سياسيا ومتناغمة مع مخطط فريق العهد لدفن إتفاق الطائف ومندرجاته بما في ذلك ضرب الموقع السني الأول، معطوفا على محاولات واضحة لإضعاف رئاسة مجلس النواب وسائر المراكز الحساسة، لمصلحة الرئيس القوي الذي يبدو أنه مصرّ على قيادة البلاد والعباد الى جهنم.