تأتي ذكرى عاشوراء هذا العام على شيعة لبنان وهم في أسوء حال( مع سائر المواطنين اللبنانيين الصابرين)، يقفون في طوابير طويلة مذلولين مقهورين، بحثاً عن البنزين والمازوت وجرعة الدواء، بلا نصيرٍ ولا مُعين، حالهم كحال الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عندما صرخ في أرض كربلاء: أما من ناصرٍ ينصرنا، إنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر معروفها واشمعلّت، ألا ترون الحقّ لا يُعملُ به، والباطل لا يُنهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربّه، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ ذُلاّ وبَرَما، ثمّ وقف وقفة العزّ والبطولة في ساحة كربلاء مع أصحابه وأهل بيته حتى استُشهدوا جميعاً، وسُبيت النساء والذراري.

 


كانت ملحمة كربلاء تاريخاً مُشرّفاً في حياة المسلمين الذين أبوا الخنوع والنزول على حكم الظالمين، ولم تكن سوى امتدادٍ للثورات المتتالية في العراق ضد الحكم الأموي بقيادة الخليفة معاوية بن أبي سفيان، الذي أغرق الأُمّة الإسلامية في خصوصيّته الشامية، وأمعن في إرسال وُلاةٍ مُستبدّين إلى العراق لإخماد تلك الثورات، فترسّخت سياسةُ القطع والقوّة، بدل سياسة الجمع والتوحيد، أي توحيد القلوب، وبدلاً من إزالة آثار فتنة قتل الخليفة عثمان بن عفان، انكبّ معاوية على الإمعان في زرعها وتفشّيها، وذلك من خلال إطلاق دعاية تحقيرية لشخص الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا ما راكم الأحقاد والفِتن حتى قامت دولة بني العباس التي أزالت حكم الأمويين بالعنف ذاته الذي سبق للأمويّين أن  اعتمدوه.

 

 

إقرأ أيضا : الفسادُ مُستشرٍ منذ أيام عمربن الخطاب..

 

 


للأسف الشديد ينسج حُكّام الدولة الإسلامية في إيران هذه الأيام سياستهم على منوال سياسة الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد، وإن بأشكالٍ مُغايِرة، وتحمل ذات المنهج والمضمون، فهم يعتمدون على "تثبيت وُلاةٍ" في الأقطار العربية التي طالتها أذرعتُهم، في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وُلاةٍ مُستبدّين لا يُتقنون سوى سياسة معاوية: القطع والقوّة عبر التّسلُّح والكردسة، بدل سياسة الجمع والتوحيد، وها هي النتائج الكارثية ماثلة للعيان، حروب أهلية ودمار وفِتن وانهيارات إقتصادية و إجتماعية ومالية مهولة، مُرفقة بالأمراض والتّهجير والجوع والحرمان والإذلال، والأنكى من كل ذلك، أنّهم يعدون هذه الشعوب المنكوبة بالعِزّة والكرامة والرخاء، وهم يزرعون الفقر والبؤس والذّل والبُهتان، ويجهدون بالعمل على استشرائه وتفشّيه، والمُفارقة العجيبة تردادهم الخالي من كلّ معنىً وهدف: هيهات منّا الذلّة.