بات الانتظار أمام محطات الوقود في طرابلس وجوارها أشبه باللعب في عدّاد العمر، حيث سُجل مقتل ثلاثة أشخاص أمس، وذلك بفعل الفلتان، والاشكالات المتنامية التي لا تخلو من ضرب السكاكين وإطلاق النار وصولا الى القتل عمدا وبدم بارد من أجل أفضلية مرور أو حجز دور أو تلاسن سابق، ما ينذر بفوضى أمنية بدأت ملامحها تظهر في الشوارع عبر إطلاق الرصاص الذي بات لغة التخاطب الوحيدة بين الناس.

 

 

ثمة مفارقة غريبة، وهي أن الفقر الذي يتمدد أفقيا في المناطق الشعبية وصولا الى عدم قدرة الكثيرين فيها على تأمين لقمة العيش، لا يمنع شبانها من إطلاق النار الكثيف عند كل إشكال أو خلاف أو مناسبة بالرغم من أسعاره الباهظة التي تطعم مئات العائلات، ما يطرح سلسلة من الأسئلة لجهة: من يدفع ثمن الرصاص الذي يطلق في طرابلس؟، ومن يتربص شرا بالمدينة وأهلها؟، ومن يسعى الى فلتان أمني ينطلق من الفيحاء الى سائر المناطق اللبنانية؟، وهل هناك من يسعى الى الرد على تكليف إبن طرابلس الرئيس نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة بإشاعة الفوضى في مدينته على غرار ما حصل ما بين عامي 2011 و2013؟..

 

ثم بعد ذلك، أين الأجهزة العسكرية والأمنية على إختلافها مما يجري في عاصمة الشمال وجوارها؟، ولماذا تترك أمر محطات الوقود بأيدي بعض “المستقوين” على أصحابها والزبائن بأسلحتهم وزعرناتهم بدل أن تضرب بيد من حديد وتتسلم عملية التنظيم حرصا على ما تبقى من كرامة لدى المواطنين وحفاظا على حياتهم وحقنا لدمائهم؟.

 

 

وكذلك، لماذا كل هذا التراخي مع مطلقي النار على مدار ساعات النهار؟، وهل ترك المسلحين لتنفيس أحتقانهم والتعبير عن غضبهم يكون على حساب سلامة المواطنين وممتلكاتهم خصوصا أن ما شهدته طرابلس أمس أدى الى إصابات عدة في صفوف المواطنين من بينهم طفل بالرصاص الطائش فضلا عن تحطيم زجاج العديد من السيارات ما ألحق بأصحابها خسائر جسيمة في ظل الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار؟..

 

 

بالأمس، إستفاقت طرابلس على جريمة موصوفة تمثلت بقتل شابين من أبناء التبانة عن سابق تصور وتصميم، وذلك نتيجة إشكالات سابقة على خلفية تعبئة البنزين، حيث تم نصب كمين لهما وتصفيتهما بدم بارد برمي قنبلة يدوية تجاههما ومن ثم الاجهاز عليهما بالرصاص، والأمر نفسه إنسحب على بلدة بخعون في الضنية حيث قُتل المواطن محمد عبيد على يد شخص من آل الشيخ عثمان أمام محطة محروقات بسبب خلاف على أفضلية دور، ما جعل البلدة تعيش حالة من التوتر الشديد بفعل الاشتباكات التي حصلت بين أهل الضحية وعائلة مطلق النار وأدت الى سقوط ثلاثة جرحى.

 

 

وبالرغم من تسلم مخابرات الجيش لمرتكبي الجريمتين ما ساهم بتبريد قلوب أهالي الضحايا، إلا أن ذلك لم يمنع إطلاق النار الكثيف خلال التشييع، ومن ثم إطلاق النار على توقف المولدات وإنقطاع الكهرباء، وكذلك قطع الطرقات ضمن المناطق الطرابلسية وحبس المواطنين بسياراتهم الأمر الذي أدى الى سلسلة إشكالات، ما يشير الى أن هناك من يتقصد توتير أجواء المدينة وجرّها الى حالة من الفلتان وتنفيذ أجندات أمنية مستفيدا من الأزمات السائدة، وهذا يستدعي مسارعة الأجهزة الأمنية الى كشف ما يخطط للمدينة قبل أن يختلط حابل الفقر والجوع بنابل إنتشار السلاح فتعم الفوضى وتتمدد الى سائر المناطق وتدخل البلاد في مرحلة جديدة أشبه بالحرب الأهلية.

 

 

فإذا كانت هذه الدولة عاجزة عن لجم سعر الدولار وعن ضبط أسعار السلع الآخذة بالارتفاع، وعن تغذية المناطق بالتيار الكهربائي الرسمي ولو بتقنين قاس، وعن تأمين المازوت للمولدات البديلة بأسعار مقبولة، وعن توفير الدواء في الصيدليات والمستلزمات الطبية في المستشفيات، وعن الاستمرار في دعم رغيف الخبز، وفي حماية الناس من السلاح المتفلت، فما هو مبرر وجودها؟، وكيف لدولة من هذا الطراز السيء أن تفرض هيبتها على مواطنيها؟.

 

 

يقول مطلعون: يبدو أن البلد دخل المرحلة الخطيرة التي كان الجميع يتخوف منها، ما يتطلب خطوات سريعة نحو تشكيل حكومة تبدأ بوقف الانهيار بمعالجة هذه الأزمات وإعادة الانتظام العام الى البلاد، وإلا فإن الفوضى المقبلة قد تأكل الأخضر واليابس.

 

سفير الشمال