"سمير جعجع صهيوني"، شعارٌ نحتَهُ بعض الغُلاة في الثنائية الشيعية، وخاصةً من أتباع وأنصار حزب الله، وتبِعهُم في ذلك ما تبقّى من فلول اليسار والأحزاب "التّقدّمية"، وبالتّأكيد فإنّ سمير جعجع ليس صهيونيّاً، ذلك أنّ الصهيونية في منشئها على صعيد الفكر، هي فكرة غربية استعمارية عنصرية، دعت إلى اصطناع قوميّة لليهود، وإقامة دولة لهم في فلسطين العربية، يتجمّعون فيها على أساس استعماري استيطاني، بالتعاون مع قوى الإستعمار الغربي.

 


صاغ الصهيوني تيودور هرتسل(١٨٦٠-١٩٠٤) شعارات الحركة الصهيونية العالمية: " نحن شعبٌ، وفلسطين وطننا، التاريخ الذي لا يُنسى"، وما لبث أن حوّل المؤتمر الصهيوني الأول( عُقد في بازل بسويسرا عام ١٨٩٨) هذا الشعار إلى برنامج سياسي اعتُمد كأساس للحركة الصهيونية، وقاد هرتسل التّحرّك الصهيوني مع الإستعمار الأوروبي بنجاحٍ كبير، خاصةً في بريطانيا.

 


والواضح والثابت تاريخياً وعلى أرض الواقع، الصهيونية ليست حزباً عقائديّاً، وليست لوثة تاريخية عابرة، ولا برنامج سياسي محدود،  إنّها ظاهرة استعمارية صرفة قائمة على الإغتصاب، واستعمارٌ طائفيٌّ أساسه التّعصّب الديني، واستعمارٌ عنصريٌ مطلق، بكلّ ما في العنصرية من استعلاءٍ وتعصّبٍ واضطهادٍ، ينطلق من اللون وزعم الشعب المختار، وهكذا هي ظاهرة استعمارية فريدة من نوعها، وهي تسير حتماً في اتّجاهٍ مُخالفٍ لحركة التاريخ.

 

 

إقرأ أيضا : باسيل، لصُّ الكهرباء، تذكير..

 


لذا لا يمكن وصم سمير جعجع أو بشير الجميل بالصهينة، فدولة إسرائيل قامت قبل ولادة بشير الجميل، فلا يمكن نعتهُ بالصهيوني لأنّه وفي ظروف مُحدّدة فرضتها مجريات الحرب الأهلية اللبنانية، وصراع القوات اللبنانية مع المنظمات الفلسطينية المسلحة بقيادة الراحل ياسر عرفات، دفعتهُ للتّعاون مع العدو الإسرائيلي( مع التّحفظات على ذلك والإستنكار بالطبع)، كما لا يمكن نعت الجنرال عون بالصهينة، لمجرّد انتشار صوَر استقباله لضباطٍ إسرائيليّين في منطقة المتحف عام ١٩٨٢، كذلك لا يمكن اتّهام الدكتور سمير جعجع بالصهينة لمجرّد وراثته لتاريخ حزب القوات اللبنانية وصراعاته الدامية ضد الوجود العسكري الفلسطيني المُسلّح على الأراضي اللبنانية أولاً، والوجود العسكري السوري "الشرعي" تالياً، فلو صحّت أو تصُحُّ إطلاق نعت الصهينة" على كلّ من سلك سلوكاً سياسيّاً وعسكرياً ضد المقاومة الفلسطينية المُمثّلة بمنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الراحل ياسر عرفات، أو ضد قوى المقاومة والممانعة في أيامنا هذه، لكان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ملكاً مُتوّجاً على عرش "الصهينة"، فقد دخل النظام السوري بقيادة الراحل حافظ الأسد إلى لبنان عام ١٩٧٦، وقضى على القوات المشتركة للمقاومة الفلسطينية وحليفتها الحركة الوطنية اللبنانية، وما زال ها هنا من يعتبره مشاركاً فعلياً في إزالة مخيم تلّ الزعتر من جانب القوات اللبنانية في المنطقة الشرقية من بيروت، كما كان المُساهم الأكبر والمُحرّض الأول على حرب المخيمات الفلسطينية في صبرا وشاتيلا مع حركة أمل، دون أن ننسى اغتيال النظام السوري للشّهيد كمال جنبلاط( المدافع الأول عن المقاومة الفلسطينية)، كذلك اغتيال جورج حاوي وسمير قصير فيما بعد.

 


عليه، المرجو أن تُقلع بعض القوى اليسارية "الطفولية"، رغم بلوغها من العمر عِتيّا، عن إطلاق الشعارات الطّنانة الفارغة، والتي تصُبُّ في المزيد من التّهتُّك في النسيج الوطني والإجتماعي اللبناني،  المُنهك أصلاً، وهو بالطبع لا يساهم في مقارعة العدو الإسرائيلي، ولا يُساعد في مناهضة الصهيونية العالمية.