في مرحلة الآلام الخامسة، خـرجَ رئيس الحكومة المكلّف من لقاء القصر الجمهوري منشرحاً، وتمنى على اللبنانيين أن يجعلوا من «العبسة» ابتسامة.


إبتسم: والأرضُ تتأجّجُ باللَّهب الجهنمي، والشعبُ يتضرَّجُ بنارِ الإنفجار..

هُـمْ يبتسمون، لأنَّهم يعيشون في الفضاء الخارجي في معزل عن أرض الشعب المحروقة.

يواجهون الكوارث الكبائر بصبيانيّةِ الذين لـمْ يبلغوا سنّ الرشد الوطني، ولم يَرْموا أضراس الحليب من أفواهِهمْ.

أيـنَ نحنُ، وأيـنَ هُـمْ.

نحنُ، نسير على أقصر مسافةٍ بين مهـدِ الولادة واللَّحـد...

نحنُ، نتحرَّقُ على حبَّـة دواءٍ، ونحترِقُ بالوقود...

نحنُ، يطارِدُنا الجـوعُ ونطاردُ الرغيف، والرغيفُ كأنّ لَـهُ أجنحة.

نحن نحتضرُ بأنواع المـوت الثلاثة: الموت الأحمر قتلاً، والموت الأسود خنْقـاً والموت الأبيض وفـاةً، ونقـفُ على أبواب المستشفيات كمَنْ يواجهون وجـهَ ربِّـهم وهُـمْ في الحياة أحياء.

نحن ننام في ليل النهار وعتْمـةِ الليل، ونتعزّى بحكمةِ الشاعر إيليا أبو ماضي، الذي كان يكتب على ضوء الشمعة لأنّ الكهرباء تقتل الموهبة.

نحن نعيش بلا عمـل ولا أمـل ونستعجل رجاء القيامة...

وهُـمْ.. أيـن هُـمْ..

والوطن على طريق الزوال والدولة على شفير الإنحلال، وحاجيَّاتُ الشعب الحياتيَّة كلُّها أصبحتْ في السوق السوداء، ومؤسسات الدولة كلّها أصبحت في أسواق الدعارة.

نحن نتفجَّـعُ بمظالم الحاضر وظُلمةِ المستقبل، وهـمْ «يراهنونَ على الإهتراء»(1)، يتنازعون حول أجناس الملائكة وشياطين الوزارات: وزارة الداخلية لمَـنْ... ووزارة العـدل لِمَنْ، وهمّهُـمُ الأقصى الإنتخابات النيابية والتوريث السياسي والرئاسي.



هؤلاء المسحورون بوزارتي الداخلية والعـدل، على أنهما يُشْرفان على انتخاباتٍ نيابية وعلى مجلسٍ ينتخب للجمهورية رئيساً... هل يضمنون في ظـلِّ الهلَـعِ القاتل أنهم يعيشون حتى موعد الإنتخابات، هذا، إذا حصَلَتْ...؟

والمسكونون حتى الجنون بتوريثٍ رئاسي – دفَعْنـا من أجله حتى الآن أفدَحَ الأثمان - هل يضمنون تحقيق حلم التوريث...؟ هـذا، إذا حصلت الإنتخابات الرئاسية وبقيت رئاسات.

يـا جماعـة:

المـرءُ يسعى لِمَا يبقى لِوارثـهِ

والقبرُ وَارثُ ما يسعى لَـهُ الرجلُ.

يقول القديس تومـا الأكويني: «المملكة ليست ملكاً للملك، بل إنّ الملك هو ملكُ المملكة...»

الذين لا يحترمون تعاليم القديسين، كيف يكونون مؤمنين، ويطالبون بحقوق المسيحيين.

مشكلة اللاّهوت المسيحي، أنـه يغفر الخطايا بالإعتراف فيؤَدّي ذلك عند المُدْمِـنين على الفحشاء إلى التكرار ما دامت الخطايا تُغتفَـرُ بتلاوةِ بعضٍ من الأبانا والسلام.

ولكن، ماذا عن «لاهـوت» الإمام علي بن أبي طالب الذي يقول: «الغالبُ بالشرِّ مغلوب».؟

ماذا عن حـزب الله الذي اشترك بتسمية رئيس الحكومة المكلّـف، فهل هو موقفٌ لـرفع العتَب، أو هو رافعةٌ لانتِشالِ الحكومة..؟

مع أنّ فشل التأليف يرتـدّ معنوّياً أيضاً على مَـنْ منحوا أصواتهم للتكليف...؟

إذا فشلَ مشروع حكومةِ لبنان في لبنان، فليس ما يمنع من تأليف حكومة لبنان في إفريقيا - وأيضاً على أساس المبادرة الفرنسية - إذْ عندما سقطَت العاصمة الفرنسية في أيـدي الإلمان، اقترح رئيس وزراء فرنسا «بـول رينو» أن تنتقل الحكومة الفرنسية إلى إفريقيا لمواصلة القتال وتحرير الأرض.


 

----------

1- من كلمة الرئيس الفرنسي ماكرون في مؤتمر باريس لدعم لبنان:

«المسؤولون في لبنان يراهنون على الإهتراء».