هذا الضياع عند الحزبين (الشيوعي – القوات) هو ما افترض انه يدفع الطرفين للوقوف على الاطلال، ونبش الخصومة بينهما، بحيث لا يستفيد منها إلا أهل السلطة مع خسارة صافية للحزبين، ومن موقعنا المحب لهما ندوعهما لإعادة قراءة ما هما عليه وفتح صفحة جديدة مبنية اولا واخيرا من تجاوز الماضي الاسود .
 

حوالي الساعة 3:30 وصلت من الجنوب مع صديقين، الى جانب اوتيل المونرو، ركنا السيارة وانطلقنا شرقا باتجاه المرفأ، لم نجد انفسنا الا ونحن نسير في قلب تجمع للحزب الشيوعي، عرفنا سريعا هويتهم السياسية من بعض ملابسهم ومن سيارات اسعاف كانت تسير معهم للنجدة الشعبية، وتأكدنا حين مصافحتنا الخاطفة لرفاق شيوعين من ضيعتنا . 

 


سألني صديقي  بكل عفوية : ليش الحزب الشيوعي مشارك اليوم ؟؟؟ ( يضمر بسؤاله هذا، القول،  أن النيترات هي لحزب الله وللنظام السوري "محور الممانعة" ، والشيوعي بأدائه السياسي يحرص كل الحرص على رضى هذا المحور كونه هو ايضا حزب مقاوم )

 


 
تجاوزنا المجموعة بأمتار قليلة، وسمعنا من خلفنا هتاف "صهيوني صهيوني سمير جعجع صهيوني"،، فقلت لصديقي: عرفت ليش الحزب الشيوعي مشارك اليوم ؟!!!! 

 


فمشكلة الحزب الشيوعي، الذي نكن له ولتاريخه النضالي المقاوم كل إلاحترام، أنه يعيش حالة تناقضية رهيبة، فلا هو قادر على الانسلاخ من ما يسمى بمحور الممانعة، وبالتالي التخلي عن شعاراته القديمة ( محاربة الامبريالية –  التصدي للرجعية العربية – شرقيته – محاربة اليمين ... ) وكل هذه الشعارات التي تجعل منه حزب ممانع بكل مندرجات الممانعة، وبالتالي هو معني بالدفاع ومناصرة هذا المحور، وبين محاولات تمايزه وتموضعه الجديد بالاعتراض ومواجهة هذا المحور الذي يمسك هو بالسلطة السياسية ويحميها ويدافع عنها بأشفار العيون.

 

 

فمشكلة الحزب الشيوعي بإختصار هي أنه  حزب ثائر على محور هو مصرّ على الانتماء إليه وجزء لا يتجزء منه   !!

 


"فصهيونية" سمير جعجع التي يستحضرها الشيوعي من غابر الايام، لا نراه يستحضر مثيلاتها عن صهيونية ميشال عون القديمة مثلا،  او صهيونية جبران باسيل الحديثة، واستطاع الحزب الشيوعي تخطي   "صهيونية" حزب الكتائب والتي من المفترض انها تمثل الجذر التاريخي ل "صهيونية" القوات المدعاة،  فنجد الشيوعي لا يمانع التقارب مع الكتائب،  ويعقد لقاءات تشاورية رسمية كما حصل في شباط 2020 ( نحن نرحب طبعا )

 

 

وهذا يؤكد أن ازمة الشيوعي الفعلية، ليست هي "صهيونية" سمير جعجع وخلفه القوات، والا كانت انسحبت هذه الازمة على كل "الصهيونيين القدامى" وإنما المشكلة الحقيقية هي كون سمير جعجع يمثل رأس حربة الاعتراض على المنظومة المتحكمة بالبلاد والعباد،  والتي يدثرها حزب الله تحت عباءته ويحميها بعمامته.

 

 

إقرأ أيضا : وللشيخ نعيم قاسم تيكيلا أيضا

 

 

 

فالهجوم الدائم على سمير جعجع يأتي من باب محاولة الشيوعي لردم هوة الضياع الذي يعيشه فيخترع له خصم ولو اضطر معه الى نبش التاريخ وغض الطرف عن الحاضر والمستقبل، وما يسهل على الشيوعي هذه المهمة هو ان الغالب الاعظم من الرفاق الشيوعيين هم بالحقيقة من أعمار تلك الحقبة والتي لا يزالون يعيشون داخل بوتقتها، وتأتي من باب "إشهدوا لي عند الامير"  .

 


 
اما القوات اللبنانية، والتي نتحترم ايضا اداءهم السياسي ونتوافق مع معظم أدبياتهم السياسية ونشهد كما يشهد الخصم لهم بنظافة كفهم وبما قدموه في مسيرتهم الحكومية من عدم تورطهم بملفات الفساد وبالوقوف بوجه معظم الصفقات والسرقات التي كان تجري إبان مشاركتهم بالحكومات، وهذا ما يفسر المحاولات الحثيثة من مختلف اركان المافيا وسعيهم الدؤب على إبعادهم وعزلهم، وإن كان هذا يعتبر بمثابة وسام شرف لهم، الا ان هذا لا يمنع من تسجيل بعض النقاط التي نختلف عليها وبعض السلوكيات المرفوضة.
 

 


فالذهنية "الميلشياوية" لا تزال بترسباتها تعشعش في سلوكيات قواعدها، وهذا ما شهدناه بمشكل الامس في الجميزة وما رافقه من إعتداءات ومشاهد مقززة لا يمكن أن ترتقي الى مصاف حزب سياسي معارض للميليشات ومطالب ببسط سلطة الدولة، وعلى قيادة القوات أن تفتح تحقيق داخلي بما جرى ومحاسبة كل المرتكبين والمتجاوزين والمعتدين على المتظاهرين بما تجاوز كثيرا الحق المشروع بالدفاع عن النفس ان صحت رواية الاعتداء من الطرف الاخر.

 


 
كما وأن القوات مطالبة هي الاخرى بحسم خياراتها وبالتالي بالمزيد من الوضوح بتموضعها السياسي، فالمرحلة باعتقادي هي مرحلة جدا دقيقة وحاسمة، والخيارات يجب ان لا يشوبها أي ضبابية،  فإما لصالح الثورة والثوار او لمصلحة المافيا، ولا مجال متبقي، للمناورات ولا لانصاف المواقف، فالمافيا المتحكمة هي كلٌ متراص ومنظومة متكاملة،  فلا معنى حينئذ لمعارضة فريق بهذه السلطة والسعي لارضاء فريق آخر منها ولو من باب التكتيك، مما يجعل القوات في نظر الكثيرين، تقف في المنطقة الرمادية فلا هي حزب ثورة بالكامل ولا هي حزب سلطة بالكامل. 

 


 
هذا الضياع عند الحزبين ( الشيوعي – القوات ) هو ما افترض انه يدفع الطرفين للوقوف على الاطلال، ونبش الخصومة بينهما، بحيث لا يستفيد منها إلا أهل السلطة مع خسارة صافية للحزبين، ومن موقعنا المحب لهما ندوعهما لإعادة قراءة ما هما عليه وفتح صفحة جديدة مبنية اولا واخيرا من تجاوز الماضي الاسود .