في اللقاء الرابع، وضحت العقبة الاولى في مسار التأليف، بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي. هذه العقبة ليست جديدة، وسبق أن كانت من أبرز الاسباب المعلنة لعدم توافق عون والرئيس سعد الحريري. وفيما تُحدّد هذه العقبة بتمسُّك عون بوزارة الداخلية مقابل تمسُّك الفاعليات السنية السياسية بهذه الحقيبة، إلّا أنّ المشكلة بالنسبة الى رئيس الجمهورية ليست التمسُّك بوزارة بل بمبدأ المداورة، والذي نصّت عليه المبادرة الفرنسية التي التزمها الجميع، بمن فيهم ميقاتي. وبالتالي، إذا لم تكن «الداخلية» من حصة المسيحيين فإنّ عون يقبل بأن تكون وزارة المال من حصّتهم.

 

قرّر ميقاتي الحفاظ على التوزيع نفسه للحقائب الوزارية على الطوائف الذي اعتُمد في حكومة الرئيس حسان دياب، وذلك لتفادي تحريك «وكر الدبابير»، وفق ما أعلن أمس الأول من القصر الجمهوري. لكنّ هذا التفادي لم يخلّص ميقاتي من المطب الحكومي الأول، فرئيس الجمهورية يرفض الحفاظ على هذا التوزيع متمسّكاً بمبدأ المبادرة. هذا علماً أنّ عقدة «الداخلية» خلقت «مشكلاً» بين عون والحريري، والآن مع ميقاتي بحيث يحصل شدّ حبال حولها، بسبب «عدم احترام مبدأ المداورة في الحقائب الوزارية وفق المبادرة الفرنسية»، وفق مصادر قريبة من عون. ولحلّ هذه المشكلة، يطرح عون مخرجاً يقضي بالاعتماد على المبادرة الفرنسية التي التزمها الجميع، وبالتالي من يريد التزام هذه المبادرة عليه التزام بنودها ومندرجاتها كافة، لا سيما منها المداورة في الحقائب الوزارية على الطوائف.


 

بالنسبة الى المصادر القريبة من عون، إنّ تمسُّك «الثنائي الشيعي» بوزارة المال أدّى الى تمسُّك الفريق السنّي بوزارة الداخلية، وبالتالي حرمان الفريق المسيحي من الحصول على أيّ من هاتين الحقيبتين. هذا علماً أنّ الحريري التزم في الصيغة الوزارية الأولى التي قدّمها الى عون مبدأ المداورة باستثناء وزارة المال، بحيث أعطى الداخلية لأورثوذكسي والخارجية لدرزي والدفاع لماروني. إلّا أنّه عاد وتراجع عن ذلك في الصيغة الثانية التي قدّمها قبل أن يعتذر وثبّت «الداخلية» للسُّنة.

 

تمسُّك عون بالمداورة في الحقائب الوزارية ينطلق من مبدأين: الأول، التزام المبادرة الفرنسية، والثاني وهو الأساس، عدم تكريس أعراف وحالات شاذة مخالِفة للقواعد والأصول وخصوصاً للدستور ووثيقة الوفاق الوطني، بتخصيص وزارة المال للطائفة الشيعية ووزارة الداخلية للطائفة السنية، والقول للموارنة والأورثوذكس «دَبّروا حالكم بالخارجية والدفاع»، خصوصاً أنّ هذا التكريس الوزاري يناقض «اتفاق الطائف» ووثيقة الوفاق الوطني، ولا سوابق له في كلّ الحكومات في لبنان حتى بعد «اتفاق الطائف» بحيث توالى وزراء من الطوائف كافةً على كلّ الوزارات التي تُسمّى بـ»السيادية»، فتولّى وزارة المال سنّة وأورثوذكس وموارنة، ثمّ شيعة فلم يعد يقبل الشيعة بالتنازل عنها، كذلك تولّى وزراء موارنة وأورثوذكس وسنّة وزارة الداخلية.

 

بالنسبة الى عون، من غير المقبول أن يكون ممنوع على المسيحي أن يتولّى وزارة الداخلية أو المال، ولكي لا تستمرّ الخلافات بسبب ذلك، يجب العودة الى المبادرة الفرنسية. وبالتالي، لا يمانع عون أن تشمل المداورة كلّ الطوائف، وأن يحصل الشيعة على الخارجية على سبيل المثال، علماً أن 4 وزراء شيعة سبق لهم أن تولّوا هذه الحقيبة بعد «اتفاق الطائف». وبالتالي، إنّ تمسُّك عون بالداخلية ليس من مبدأ التمسك بوزارة معيّنة، بل من مبدأ المداورة، وفق مصادر قريبة من الرئيس، خصوصاً أنّ عون وميقاتي سبق أن اتفقا على توزيعة الحقائب التي تُصنّف بـ»الأساسية» و»الخدماتية» و»العادية» على الطوائف من دون الدخول بأسماء الوزراء، بحيث اعتُمدت المداورة في هذه الحقائب. فعلى سبيل المثال باتت وزارة الصحة من حصة الطائفة السنية بعدما كانت من حصة الشيعة، وأصبحت وزارة الاتصالات مع المسيحيين بعد أن كانت مع السُنة. وبالتالي، طُبّقت المداورة على كلّ الحقائب الوزارية باستثناء السيادية منها.


 

وإنّ الحفاظ على التوزيع نفسه كما أعلن ميقاتي، يكرّس، بالنسبة الى رئيس الجمهورية، أعرافاً تتناقض مع الدستور ووثيقة الوفاق الوطني والمبادرة الفرنسية، وتطرح المصادر القريبة من عون أسئلة عن سبب «عدم قبول الأفرقاء السنّة بالتخلّي عن وزارة الداخلية على رغم أنّه سبق أن تولّاها وزراء مسيحيين، وبالتالي لماذا التمسُّك الآن بهذه الوزارة وخَلق مشكلة طالما المبادرة الفرنسية وجدت الحلّ؟ فلنمضِ بالحلّ».

 

وعلى رغم بروز الاختلاف الأوّل بين عون وميقاتي في النظرة الحكومية، إلّا أنّ المصادر نفسها تؤكد أنّ جو التأليف واللقاءات بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف هو «جو تعاون وتذليل العقبات وسيستمرّ الرئيسان في البحث في صيَغ للوصول الى نتيجة، وإذا جرى تبنّي المبادرة الفرنسية يُحلّ المأزق، وهذا يتطلّب جهداً مع الأفرقاء الشيعة لكي يقبلوا بالتخلي عن وزارة المال، حينها تُحلّ المشكلة ولا يعد بإمكان أي فريق التمسك بأي وزارة، فلا يجوز تكريس أعراف وأمر واقع في الحياة السياسية في بلد مثل لبنان قائم على التوازنات، لأنّه من غير المقبول حرمان المسيحيين لـ15 عاماً من تولّي وزارة الداخلية أو المال، أو حرمان المسلمين من وزارة الدفاع أو الخارجية، والدليل أنّ وزراء مسلمين تولّوا هاتين الوزارتين أكثر من مرّة». إنطلاقاً من ذلك، لا مشكلة لدى عون في تولّي مسيحي وزارة المال، وأن توزّع بقية الحقائب على الطوائف أيضاً، ليكون هناك فعلاً مداورة في الحقائب.

 

وفي حين اعتُبر أنّ اللقاء السريع بين عون وميقاتي، أمس الأول، وكلام ميقاتي بعد اللقاء، نَعياً للتأليف، تؤكد المصادر القريبة من عون «أنّنا لم ندخل في مرحلة نَعي الحكومة، بل حصل تَعثّر، وإنّ طرح صيغة المداورة هو للخروج من التعثّر». أمّا بالنسبة الى إعلان ميقاتي أنّ مهلة التأليف غير مفتوحة، فتقول المصادر إيّاها: «هذا حقّه، فهل يأخذ التكليف ويسافر 9 أشهر مثلما فعل الحريري بنا؟». وترى أنّه «من المبكر الحديث عن اعتذار ميقاتي، فهذه تحليلات، وطالما النية موجودة وهناك لقاءات واقتراحات فهذا يعني أنّ الابواب مفتوحة ولا شيء مُغلقاً، علماً أنّ الاثنين متفاهمان على ضرورة ولادة الحكومة».