يؤلّفون الحكومة أوْ لا يؤلِّفونها، أوْ يؤلِّفونها لهم... لأيِّ وطـنٍ وأيِّ دولةٍ وأيّ شعبٍ يؤلِّفون..؟

ad
الوطن يتمزّق كياناً ومصيراً ويسير نحو العدم...

 

الدولة مهرَّبـةٌ من العدالة، مطلوبةٌ حيّـةً أوْ ميتـةً، والأنتربول الدولي يلاحقُها.

 

الشعب يتساقط يومياً ضحيَّـةَ الدواء والمـاء والكهرباء والغذاء والإستشفاء، يتحوَّلُ وقـوداً للوقود، والرغيف أحمرُ كأنّـه يُخبزُ في أفران الفحم الحجري.

 

حيال هذا الـهَوْل الإنساني، ما زال الذين يحكمون يتسمَّرون على الكراسي خشَباً على خشَب.

 

وحدَهُـمْ الملوك الذين لم يبلغوا سنّ الرشد يستمّرون حكَّاماً بسطوة الصولجان، حتَّى ولو انقلبتِ العروشُ رأساً على عَقِـب وأصبحت التيجانُ أحذيةً والأحذيةُ تيجاناً.

 

أيَّ حكومة لأيّ دولةٍ يؤلّفون..؟ والدولةُ قد تراجعتْ مع الزمن مئَـة سنةٍ إلى الوراء، إلى حيث عصبةُ الأمم وانتدابُ الدول المتخلّفة لمساعدتها على أنْ تحكم نفسها بنفسها.

 

لقد أرادوا لبنان أفضل مـمّّا هو عليه، فأعادوه حتّى سنة 1920، حيث كان الإنتداب الفرنسي يحكمنا بواسطة المفوّض السامي، فأصبح يحكمنا بواسطة السفيرة.


 

يومها كان عندنا انتداب، واليوم أصبحنا بعوْنـهِ تعالى نرزَحُ تحت مجموعة إنتدابات: فرنسية أميركية روسية سعودية إيرانية تركية، ولكلِّ دولةٍ عندنا أرضٌ ورعايا: هناك دولٌ ورعايا، ودولٌ بلا رعايا، ورعايا بلا دول، وقطعانٌ بلا رُعاة، حتى أصبح لبنان في معمَعةِ الدول والرعايا، رعيَّـةً بلا دولةً ودولةً بلا رعيَّـة.

 

معظم قادة الكُـرَةِ الأرضية من عـربٍ وأجانب يضغطون على المسؤوليين اللبنانيين لتأليف حكومةٍ لدولة لبنان، والمسؤولون في دولة لبنان يعيشون أجانبَ في القصور كأنهم في المنفى، هكذا أصبحت حال لبنان في آخـر هذا الزمان تمثّل أحقـرَ تجربـةٍ من تجارب المسؤولية والشرف الدوليَّـيْن.

 

ماذا نقول لزعماء الدول التي هبَّت لنصرة الشعب اللبناني وانتشاله من خذلان حكّامـه... هل نشكرُهُمْ أو نشْتمُهم...؟

ماذا نقول لوزراء خارجية فرنسا والولايات المتحدة وروسيا ومصر والفاتيكان والسعودية وقطـر... هل نمدحُهمْ أو نهجوهُمُ؟

 

هل نوجّـه المذمَّـة للسفيرتين الفرنسية والأميركية، وقد «فُضِّلتِ النساءُ على الرجال»، وقامت مقام رجوليّة الرؤساء اللبنانيين والقادة والمسؤولين والنواب والأحزاب.. أين هي بطولاتهم الوطنية التي يقرِّعـون بها آذانـنا كلَّ يـوم...؟


 

أيـن هي بطولة إبـن شدّاد والسيوف التي تلمع كثغْـرِ عبلة؟ والذين كانوا ينفخون الأبواق ويقرعون الطبول ليُخيَّلَ إلينا أنَّ هناك إطلالةً لبطَل؟

 

لعلّ أفضل تشبيه لما آلـتْ إليه دولـةُ الأبطال عندنا، هي الدولة العباسية الأولى التي تناثرت دويلاتٍ متنابذة تحت ضغط العوامل الخارجية والفوارق الدينية والفساد الداخلي، فراحَ كلُّ فريقٍ يقتَـطعُ لنفسه دويلةً يستبدُّ بها، حتى لـمْ يبـقَ من سلطةٍ أو إسمٍ للخليفة، إلاّ عندما كان المفتي الذي عيَّنَـه يأتي على ذِكْـرِ إسمه في الجامع.

 

هذه الدولة التي تتشابه مع الدولة العباسية الأولى، أيُّ حكومةٍ فيها تستطيع أنْ تجعل المخلَّع يحمل فراشه ويمشي، بلْ... ومهما تكنْ التأويلات والتفسيرات التي تتناول إستعدادات الدول لإنقاذِ لبنان، فما علينا إلا أنْ نقبِّل اليـدَ التي تحقّـق لنا الإنقاذ، حتى ولـو كان هناك من يدعـو عليها بالكَسْر.