تستطيع قوى التغيير ادانة هذا الاداء الذي تحول الى وباء، لكن الشعب بحاجة الى تغيير وليس الى توصيف. واولى خطوات التغيير هي استدعاء العقل والمنطق، وتكليفهما بوضع برنامج عمل قابل للتطبيق، يتضمن اهدافا محددة يُعمل بجدّية على تحقيقها. ان هذا البرنامج ليس عصيًا على الخبراء من اهل الاختصاص. ولبنان يزخر به. وهذا ليس تبسيطًا ولا تسطيحًا. ألم تكن مبادرة الرئيس الفرنسي قائمة على جملة من كلمتين حكومة مَهمّة؟
 

   ان الحديث عن تغيير او تعديل الدستور عبر عقد مؤتمر تأسيسي، او طرح الفيدرالية، ما هو الا هروب من واقعٍ مأزوم، او ضبابية تحجب الرؤية عند من يطرحه، او اشهار افلاس. فكيف لهذه المنظومة التي انتجت قانون انتخابي لقيط ومفصّل على مقاسهم، ان تضع نظامًا جديدًا للبنان وهي التي لا تجيب الدعوة لتشكيل حكومة؟  

 

 

   انهم ببساطة لا يريدون تشكيل حكومة قبل حصول احد اطرافها على ضمانات، رغم العقوبات الدولية. هذا العجز يؤكد ان المنظومة القائمة قد سقطت، ولا تريد الاعتراف بذلك لانها أضعف مما تبدو. فلا انفجار هزّها، ولا زلزال اعاد لها صوابها، وتتصرف في حالة انفصال عن الواقع، وفق مقولة لكم لبنانكم ولي لبناني.  

 

 

   بعد 17 تشرين، وخلال مقابلة صحفية شهيرة قال فخامة الرئيس؛ اذا ما في عندهم اوادم بهالدولة يروحوا يهاجروا. الهجرة ميزة اللبنانيين منذ القدم، ويرجعها بعض المؤرخين الى طبع اللبناني الذي يحب المغامرة، كما راجت اخبار اختلطت بالاساطير عن تجارة "الموركس" ووصولهم الى اميركا قبل كولومبس. والآن مع نهاية هذا العهد صار لبنان مهجورا .

 

 

  نتج عن الحرب الاهلية مهجّرون انشئت لهم وزارة ولم تقفل بعد، لانها باب من ابواب الجهاد في الفساد،  ثم تحولنا الى مهاجرين، والآن مهجورين بحكمة وزراء العهد كاحدهم الذي جاء بغفوة، وارتكب هفوة، عززت جفوة، وأدّت الى موجة  من الاستنكار. يقول كونديرا:  "هناك دائما ما يكفي من الحمقى ليجيبوا، فالحمقى يعرفون كل شيء".

 

إقرأ أيضا : الوطن المصلوب

 

 

     الهيبة، الشهامة، وكرم الضيافة... صفات نبيلة امتاز بها من كان يعمل في الشان العام. فالمختار او الوجيه او "القبضاي"  هم حيثيّات مؤهلة، وفقا لاعراف وتقاليد "ايام زمان"، لادارة عملية انتخابية. اما اليوم فالحيثيات كثيرة على شاكلة مشغّليها، تعمل على  ادارة انتخابات مضمونة النتائج. وما  على الماكينات الا تحضير وسائل النقل الى القرى و البلدات،  مع اوراق  الاقتراع. ولا باس اذا  استعنا  بهويات الاموات، او قُطعت الكهرباء قبيل فرز الاصوات، فالضرورات تبيح المحظورات، والمجد للديموقراطية العددية. امتطى "المرشّحون" محدلة، تطورت الى بوسطة محملة بعهود ووعود عرقوبية، خبرتها الناس وتربّت عليها الاجيال. هي بوسطة من ركبها نجى، فلا يسئل عن برنامج عمل اذ ليس من شأنه.

 

 

   القوة الناخبة هم البسطاء الذين دأبت احزاب السلطة على رشوتهم مع كل دورة انتخابية عبر التوظيف العشوائي الذي ادى الى تضخم غير مسبوق في القطاع العام، مع سلوك مدمّر لمالية الدولة. عبر برنامج اعتمد المحاصصة  من المال العام  كصندوقَ هدايا يقدم للمحظوظين كل حسب علاقته وقربه من هذا او ذاك.

 

 

  تستطيع قوى التغيير ادانة هذا الاداء الذي تحول الى وباء، لكن الشعب بحاجة الى تغيير وليس الى توصيف. واولى خطوات التغيير هي استدعاء العقل والمنطق، وتكليفهما بوضع برنامج عمل قابل للتطبيق، يتضمن اهدافا محددة يُعمل بجدّية على تحقيقها. ان هذا البرنامج ليس عصيًا على  الخبراء من اهل الاختصاص. ولبنان يزخر به. وهذا ليس تبسيطًا ولا تسطيحًا. ألم تكن مبادرة الرئيس الفرنسي  قائمة على جملة  من كلمتين "حكومة مَهمّة"؟ 

 

 

   نعم، بدليل أن أحدًا لم يجرؤ على رفضها علنا. اما في السر فاكثرهم اختار طريقة "المعلم"وزير خاجية سوريا الاسبق، عندما سئل كيف ستجري مفاوضات مع المعارضة؟ اجاب: "سنغرقهم في التفاصيل". هذه السلطة، ناكثة الوعود والعهود، نجحت في اقامة سدود بوجه "المبادرة" وعطلتها، في حين انها فشلت بانشاء سدود تعود بالنفع العام، وكأنها في حالة عداء مع الشعب الذي صنعها.

 

 

  لقد اساء الشعب الاختيار، بمنح الثقة لرعاع العصور، عبيد القصور، حفاري القبور. فمثله كمثل فلاح اخرج الحصان للحرث، والحمار للسباق، فخسر المحصول والسباق معًا.