طرحتُ منذ فترة على نفسي سؤالاً حرجاً: من أنا؟..والآن أطرح السؤال بصيغة أخرى. من نحنُ؟ هل نحن عرب؟ أم مسلمون، أم عربٌ مسلمون ،أم مسلمون عرب؟ ما هي هويتنا؟، فنحن في نظرالأغيار، إمّا عربٌ وإمّا مسلمون. عندها يحار العربي. إلى أيّ عربٍ ينتمي هذه الأيام، والعربُ أممٌ شتّى، ومذاهب متنافرة، وأقاليم متغايرة، وأنظمة ما انزل الله بها من سلطان. وإذا هرب المرء بهويته إلى الإسلام، فهنا الطّامة الكبرى، أيُّ إسلام؟ الفارسي أو التركي أو الخليجي أو الاندونيسي، ومع هذا لم ندخل بعد في المذاهب. فيحسُن بالمرء أن يلجأ إلى هويةٍ أصغر، وأقل لبكة، فيقول لبناني أو فلسطيني أومصري،الخ. وهنا تتفتت الهوية أكثر فأكثر. فيقال غزّاوي ومقدسي في فلسطين، أو بيروتي وطرابلسي وجنوبي في لبنان، وقد تضطر إلى الهروب للطائفة، فتقول لبناني مسيحي، أو لبناني مسلم شيعي ،أو مسلم سُّني وإلى ما هنالك.وإذا واصلنا التحديد كالقول سني مُستقبلي(أي ينتمي لتيار المستقبل)، أو شيعي أملي(نسبةً لحركة أمل)، أو شيعي شيوعي، أو، شيعي حزباللهي.فإنّ الهوية تتلاشى لتصبح هوية بمنزلة الصفر. أي لا دور لها ولا وظيفة، اللهمّ إلاّ أن تساعد المجتمع على الوجود.وهي تشبه ما يُسمّى بلغة الألسُنيّين: الفونيم، أو النأمة ، والنأمة في العربية هي: الصوت الضعيف الخفيّ، وهو كالأنين، فالنأمةُ في منزلة الصفر، وهي لا تتمتع بأية قيمة جوانية ثابتة، ولعلّ وظيفتها هي الحيلولة دون غياب النأمة أصلا. هذه حالُ العروبة والاسلام (مثل الحُبّ عند البعض)، هي رموز في حالتها الصافية. وهي بالتالي تقتصر وظيفتها على الحيلولة دون غياب المعنى. وهي بحد ذاتها لا معنى لها محدّد على الإطلاق، لكثرة ما لها من المعاني. ولعلّ دورها كحائلٍٍ دون غياب المعنى، هو الذي يُزيّن لها أن تُضفي هويةً ما، أو معنىً ما، على القائل بها، سواء كان فرداً أو مجتمعاً.وقد كتب منذ فترة الشاعر يحي جابر مسرحية ،عنوانها :إبتسم أنت لبناني. واليوم تستطيع أن تبتسم أو تبتئِس وتقول: أنا شيعي، أو سنّي، أو عربي أو فلسطيني، وما لا يُحصى ويُعد.