«يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت

ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ

فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها

كَما تَلَوَّنُ في أَثوابِها الغولُ

وَما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت

إِلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيلُ

كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً


وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ»

(كعب بن زهير)

 

بعيد انتهاء الجزء الأول من الحرب الأهلية الذي انتهى باحتلال النظام السوري ما سمح له العدو الاسرائيلي باحتلاله، حسب التفاهمات التي نسجها حافظ الأسد مع الأميركيين، احتل الإسرائيليون الشريط الحدودي عام 1978 وبدأت بعدها مرحلة جديدة من الحرب المستدامة في لبنان. تفاهم النظام السوري مجدداً مع القوى الفلسطينية ومن حالفها من الأحزاب اليسارية اللبنانية، وبدأت الحرب بين القوات السورية وما أصبح «القوات اللبنانية». في ربيع 1977 حصلتُ على شهادة البكالوريا، ورحتُ أبحث عن منحة في جامعة ما لإستكمال دراستي. حتى لا أطيل الشرح، كان الحزب الشيوعي اللبناني أحد الذين قصدتهم. المسؤول كان صديق والدي، دمث ومحبوب ومتعاطف، لكنه قال لي إنني لم أكن يومًا محازبًا، بالتالي فلا يوجد أي التزام تجاهي، لكن المنحة إن أردت ثمنها خمسة آلاف دولار أمبريالي، وذلك دعمًا لجهود المقاومة ضدّ إسرائيل في الجنوب. في اختصار، فإنّ تمويل الحزب أصبح على حساب الاتحاد السوفياتي العظيم، ولكن من خلال بيع المِنح الجامعية.

 

لست أدري لمَِ خطرت لي تلك القصة عندما سمعت كلام حسن نصرالله عن قضية ناقلات النفط المنطلقة سريعًا لإغراق سوق المشتقات النفطية الشحيحة بما يفوق الحاجات بأضعاف!

بالطبع فلم يسمع أحد من المشدوهين أمام عظمة المتكلم التساؤلات المنطقية عن هذه الفرضية، فاكتفوا، كما جرت العادة، بالهتاف «لبيك، لبيك...».

 

السؤال الأول، هو كيف سيتمّ تسوية وصول الناقلات في ظلّ العقوبات المفروضة على إيران؟ والجواب هنا، هو أنّ «الضرورات تبيح المحظورات» في ظلّ الأزمة القاتلة الحاصلة اليوم. فكما سوّغ الدكتور صادق النابلسي تهريب البضائع إلى سوريا بحجة المقاومة، فمن الممكن تسويغ تجاوز العقوبات لضرورات أخرى! وسيقول البعض إنّ ناقلات أخرى وصلت أيضًا إلى فنزويلا في ظلّ العقوبات، ولا حاجة للبحث في التفاصيل.

 

السؤال الثاني، هو كيف لإيران التي تعاني من نقص شديد في مشتقات النفط أن تتبرّع بما ليس معها؟ ولو كانت المشتقات متوافرة، فلِمَ لم يغرق السوق السوري بها، وسوريا هي الأقرب بكل الموازين، بدل استنزاف لبنان بالمدعوم؟ فمحطات تكرير النفط في إيران معطّلة عمليًا بسبب النقص في قطع غيار تحتكرها الامبريالية! الجواب هو إذًا، أنّ البواخر المتوجّهة إلى لبنان هي محمّلة بالنفط الخام. يعني ستصل إلى لبنان ليتمّ تكريرها هنا ومن بعده ربما حتى تصديرها. لكن كيف ومحطة التكرير الوحيدة في الشمال متوقفة عن العمل لأسباب شتى، وإن تمكنت من الإقلاع فتحتاج لورشة طويلة لتحديث المنشآت؟

 

هنا بيت القصيد! فقد قال نصرالله إنّه مستعد لاستدراج عروض لشركات قادرة على حل أمر التكرير خلال ستة أشهر. بالطبع لم يقل شيئًا عن التفاصيل القانونية والتجارية في العلاقات الدولية، لكن الواضح هو أنّ استيراد النفط وإدارته يطالب بهما نصرالله لحزبه، مستفيدًا من الحاجة القصوى لأهل هذا البلد المساكين. نصب عينيه، هي مسألة رفع العقوبات المفترضة عن كاهل إيران، وبالتالي، فإنّ ما يستعد إليه نصرالله هو تلقف الفرصة باكرًا وتشبيك لبنان بالعلاقات المستجدة «شرقًا»، ومن بعدها ستأتي البواخر برعاية الحزب وتُكرّر برعايته وتُباع تحت إشرافه، وبالتالي، تتحول المرابح إلى جمهورية الحزب من جيوب اللبنانيين الفارغة أصلًا. وهكذا، وإن على نطاق أوسع بكثير، سيتمّ تمويل المقاومة من خلال بيع النفط بدلاً من بيع الشهادات الجامعية السوفياتية، ويستمر منح صكوك الشهادة في المعارك لمزيد من الشبان! المهم هو أن يستمر تمويل خزينة جمهورية الحزب، أكان بالمال النظيف، أم بمال الجمارك والتهرّب الضريبيين أو تبييض الأموال، أو الكبتاغون والمخدرات، ولِمَ لا، بالنفط النظيف.