على الرغم من كل المآسي التي يعيشها لبنان، لاهمّ يشغل الرئيس ميشال عون، سوى تأمين وصول صهره جبران باسيل إلى سدّة الرئاسة، وجبران باسيل يستميت من أجل تحقيق هذا الحلم، ولا يعدم وسيلة إلاّ ويستخدمها من أجل خدمة هذا الهدف، شعاره "الغاية تبرر الوسيلة"، حتى ولو أدّت الوسيلة إلى خراب لبنان وتدميره وربما زواله عن الخريطة. عادةً يكون لدى المسترئس برنامج رئاسي يسعى للوصول إلى السلطة من أجل تنفيذه، لكن إعتدنا في لبنان ما بعد الطائف أن تكون جعبة المسترئسين فارغة، بإستثناء النائب الراحل نسيب لحود، الذي أعدّ برنامجاً رئاسياً متكاملاً، وعرضه على الشعب اللبناني بشفافية ووضوح معادته، وبطريقة تعكس إحترامه للنفسه ولشعبه، لكن هذا النوع من المرشحين ممنوع عليهم الوصول، لأن الطريق إلى بعبدا معبّدة أمام الوصوليين والإنتهازيين والجبناء الذين لا برامج لديهم ولا مبادئ، تجدهم يتوسّلون ويتسوّلون الرئاسة على أبواب النافذين وأصحاب القرار في الداخل والخارج. حلم الرئاسة راود الجنرال ميشال عون منذ زمن بعيد، ولازمه في كل محطات حياته، وإستخدم كل الوسائل من أجل تحقيقه، وكان له ما أراد، فحمل لقب "الرئيس القوي"، كونه يستند إلى حيثية شعبية وازنة، ولديه أكبر كتلة نيابية، ومدعوم من الحزب الأقوى في لبنان، الذي أوصله بقوة السلاح والتعطيل، وأمّن له أدوات الإستقواء، ورغم كل ذلك، كان عهده الأفشل والأسوأ في تاريخ لبنان، في عهده حصل الإنهيار الكبير، وفقد لبنان كل ميزاته ومميزاته، إنهارت الليرة، ترهلت وتعطلت المؤسسات العامة، أفلس القطاع الخاص، إنفجر المرفأ، وتدمرت بيروت، قتل الناس بشتى أنواع القتل، وتجرّع الشعب كل أصناف الذلّ. الهجرة إلى الخارج أصبحت حلم كل الناس، شيباً وشباباً. طبعاً الرئيس عون ليس الوحيد المسؤول عن كل هذه الكوارث، إلاّ أنه قبل وصوله إلى بعبدا، أعطى لنفسه صورة قاهر الفساد والمخلّص، وبأنه إذا وصل إلى سدّة الرئاسة الأولى، سيقضي على الطبقة الفاسدة، ويبني لبنان الجديد، والكثير من اللبنانيين وخاصةً المسيحيين صدّقوه، ومشوا خلفه، فأعطوه أصواتهم وثقتهم، وعندما حصلت التسوية الرئاسية في العام ٢٠١٦، أصبح وتياره حلفاء الفاسدين، وشركاء مضاربين بالفساد والإفساد، ولهذا السبب كانت سهام الإنتقاد موجّهة للرئيس عون وتياره أكثر من سواهم، بسبب ديماغوجيتهم الفاقعة، وغشّهم للناس بخطابات طنانة رنانة، إلاّ أن ممارساتهم في الحكم كانت سيئة للغاية. حاول الرئيس عون تجيير كل رصيده في التيار العوني لصالح صهره جبران باسيل، فعيّنه رئيساً للتيار خلافاّ لرغبة الكثير من العونيين الذي رفضوا التوريث السياسي، وعيّنه وزيراً ثابتاً في كل الحكومات منذ العام ٢٠٠٨ إلى أن جاءت ثورة ١٧ تشرين وأطاحت به، وأعطاه جناح في قصر بعبدا، وصلاحيات إستثنائية، فزرع أزلامه مستشارين بالقصر، ووزراء في الحكومات، ونواباً في البرلمان، وأعطاهم المناصب والمواقع الحساسة في الدولة، حتى بات جبران باسيل هو الرئيس الفعلي للجمهورية، في ظل عجز الرئيس عون الذي ضربه النعاس بسبب تقدمه بالعمر. جبران باسيل في عهد عمّه، فعل بالدولة كل يا يريد أن يفعله. لا شيء يمنعه من فعل أي شيء يريده، فالرئيس عون أطلق يده، وهو بسبب وجوده بالقصر وسطوته على النواب والوزراء والمستشارين يستطيع فعل أشياء كثيرة بعلم الرئيس عون أو من دون علمه، كما حصل بمرسوم التجنيس الذي وقّعه رئيس الجمهورية دون الإطلاع على مضمونه بناءً لرغبة الصهر. لا يمكن للتيار العوني بعد الرئيس عون أن يكون أقوى في السلطة، مما هو عليه اليوم، فمؤسسه وصل إلى رئاسة الجمهورية بتسوية مع أكثريه القوى السياسية، ولديه جمهور واسع وأكبر كتلة نيابية، وحليف مدجج بالصواريخ، وكان لديه حكومات كاملة أو أكثرية داخل الحكومة، والنتيجة كانت فشل ذريع بالتغيير، وإنغماس أكثر في الفساد، وإنهيار كامل للدولة، وإذلال مريع للشعب. بعد كل ما تقدم، السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي سيقدّمه جبران باسيل للبنان في حال وصل إلى سدة الرئاسة الأولى، وهو المستميت من أجل تحقيق هذا الحلم، غير الإستيلاء على ما تبقى من مراكز ومناصب وحصص في دولة مفلسة ومنهارة؟؟!!