كأنّ العراضة التي قام بها السوريون في لبنان، من نازحين ومقيمين، يوم الانتخابات الرئاسية السورية في سفارة بلادهم، لم تحصل، على رغم الاحتقان الشعبي الذي سبّبته، ما أدّى الى إشكالات، فضلاً عن رفض ما حصل من جهات سياسية وشعبية واسعة، على رأسها البطريرك مار بشارة الراعي. وعلى رغم المناداة بعودة النازحين الذين جاهروا باقتراعهم للرئيس بشار الأسد الى بلادهم، لأنّ صفة النزوح سقطت عنهم بمجرد أنّهم اقترعوا لرئيس النظام الذي من المُفترض أنّه هجّرهم، إلّا أنّ الدولة اللبنانية لم تتحرّك، ومفوضية شؤون اللاجئين تؤكّد أنّ «الاقتراع لن يؤدي الى إسقاط صفة اللجوء».

 

في غضون ذلك، يستمرّ النزوح في الضغط على البنى التحتية والموارد اللبنانية، فضلاً عن استفادة النازحين، والذين يبلغ عددهم مليوناً ونصف مليون، بحسب الإحصاءات الرسمية، من المواد المدعومة كلّها من مصرف لبنان ومن أموال المودعين، فيما بلغت كلفة النزوح الى لبنان حتى الآن أكثر من 45 مليار دولار، مقابل دعم دولي لم يتخطَّ الـ8 مليارات دولار. كذلك تتواصل الولادات السورية في لبنان من دون تسجيل غالبيتها، بحيث أنّ 73 في المئة من هذه الولادات منذ عام 2015 غير مُسجّلة، ما يضع هؤلاء في خانة مكتومي القيد ويحول دون عودتهم الى سوريا.

 

حالياً، الحدود السورية ما زالت مغلقة في وجه النازحين بسبب «كورونا»، فيما عاد هذا الملف الى الواجهة مجدّداً بعد الانتخابات الرئاسية السورية التي جرت أخيراً في السفارة السورية في لبنان، والمسيرات السيّارة التي جابت المناطق ممتلئة بالنازحين الذين حملوا صور الأسد، هاتفين له عبر مكبرات الصوت. على إثر ذلك، دعا رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الى إعادة كلّ من اقترع للأسد الى بلاده، طالما أنّه لا يخاف النظام. وبالتالي سقطت صفة النزوح عنه. وعن عمل «القوات» في هذا الإطار، تقول مصادرها: «سبق أن طرحنا مبادرة تقضي بعودة النازحين المؤيّدين للنظام السوري الى مناطق نفوذ هذا النظام، والضغط على المجتمع الدولي وتحديداً على موسكو، بغية إنشاء منطقة حزام أمان داخل الحدود السورية يُنقل إليها النازحون السوريون. وبعد التطور من خلال إقتراع النازحين السوريين لبشار الأسد، سقطت صفة اللجوء عن هؤلاء، بحسب القانون الدولي. وأمام هذا المعطى، سنتابع هذا الموضوع على مستويين:

- مواصلة الضغط لكي تتسلّم السلطة اللبنانية من السفارة السورية لائحة بالنازحين الذين اقترعوا، والتواصل مع الأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات فورية بوقف دفع المساعدات لهؤلاء النازحين ودفعهم الى العودة الى سوريا، وتقديم المساعدات إليهم هناك وليس في لبنان.

- في الشق الانساني المتعلّق بالمعارضين الذين حياتهم مهدّدة في حال عادوا الى سوريا، نقترح إقامة منطقة حزام أمان، لأنّ لبنان لم يعد في هذه المرحلة في ظلّ الوضع المالي والاقتصادي الكارثي والصعب بمقدوره أن يستضيفهم».

 

لكن، بالنسبة الى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، تقول المتحدثة الرسمية بإسم المفوضية في لبنان ليزا ابو خالد: «إنّ المفوضية منظمة إنسانية غير سياسية، وبالتالي لا تضطلع بأي دور في الانتخابات السورية. كذلك التصويت خيار شخصي ولا يرتبط بوضع اللاجئ ولا بحاجة الشخص الى الحماية الدولية».

 

وإذ تؤكّد أنّ «التصويت لن يؤدي الى فقدان صفة اللاجئ»، تشير الى أنّ «المفوضية أُفيدت عن وقوع حوادث انطوت على ترهيب وضغوط، الأمر الذي ربما قد دفع عدداً من اللاجئين للمشاركة في الانتخابات».

 

أمّا بالنسبة الى العودة، فتوضح ابو خالد: «أنّها مسألة معقّدة تنطوي على عدد من الاعتبارات بالنسبة الى اللاجئين، وهي تستند الى الوضع الفردي لكلّ منهم ولأسرهم ومنازلهم في سوريا». وتقول: «يأمل معظم اللاجئين السوريين في العودة يوماً ما الى سوريا، غير أنّ العديد منهم لا يزالون يشعرون بالقلق حيال مسألتي السلامة والأمن في سوريا، وهم يشيرون الى هذه المخاوف كسبب رئيس لعدم تمكُّنهم من العودة في المستقبل القريب».

 

وبحسب إفادات اللاجئين للمفوضية، إنّ الوضع في سوريا هو الذي يؤثر على قرارهم بالعودة. فهم لا يزالون يشعرون بالقلق حيال عوامل عدة، ومنها:

- السلامة والأمن.

- السكن ـ وجود سقف يأويهم.

- إمكانية الوصول الى الخدمات الأساسية - المستشفيات والمدارس.

- وسبل كسب العيش - لكي يتمكنوا من تلبية احتياجات أسرهم في سوريا.

 

وعن عمل المفوضية على تحفيز النازحين على العودة، وتقديم المساعدات لهم في سوريا وليس في لبنان، كما يطالب كثيرون، تشير ابو خالد الى أنّ «المفوضية والمنظمات الشريكة تتعاون مع الحكومة السورية والجهات المعنية الأخرى للتصدّي تدريجياً للمسائل التي تؤخّر عودة اللاجئين بحسب إفاداتهم. كذلك تدعم المفوضية في سوريا النازحين داخلياً واللاجئين العائدين من خلال برامج إنسانية على مستوى المجتمعات المحلية وعلى أساس الحاجة مثل غيرهم من الفئات السكانية. وعلى وجه الخصوص، توفّر شبكة المراكز المجتمعية الواسعة التي تحظى بدعم المفوضية في أنحاء سوريا كافةً، جهات اتصال مهمة للاجئين العائدين على قدم المساواة مع الآخرين. الى ذلك تعمل المفوضية على تكثيف أنشطتها داخل سوريا، بما في ذلك تدخّلاتها الخاصة بالمأوى، من أجل مساعدة السكان السوريين الذين تضرّرت منازلهم، وتدعم أعمال إعادة تأهيل المدارس».

 

من جهة الدولة اللبنانية، ترفض وزارة الشؤون الاجتماعية المعنية بملف النزوح، الدعوات للحصول من السفارة السورية على لائحة المقترعين، وتعتبر أنّ الانتخابات التي جرت أمر سيادي ولا يُمكن طلب أمر كهذا من أي دولة.

 

وتقول مصادر وزارة الشؤون: «إنّ مقاربة ملف النزوح إنسانية، والدولة اللبنانية لم تسأل النازحين عند بداية أزمة النزوح عن توجّهاتهم السياسية لكي تستقبلهم على أساسها أو تعيدهم الى بلادهم. فمبدأ العودة يتجاوز مسألة الانتماء السياسي، بل هو حق أساسي ومكتسب للنازح وواجب وطني يجب أن نعمل عليه لتفعيل هذا الملف. وهذا غير مرتبط بما إذا كان النازحون يؤيّدون الرئيس الأسد أم لا». وتشير الى أنّ «كثيرين من النازحين هربوا من سوريا بسبب المنظمات المتطرفة والإرهابية والحرب الشعواء، وليس جميع النازحين الموجودين في لبنان على عداء مع الدولة السورية، والانتخابات كانت دليلاً الى ذلك».

 

بمعزل عن ذلك، تواصل الدولة عبر وزارة الشؤون العمل على تحقيق العودة، من خلال الخطة التي أقرّتها الحكومة في تموز 2020. ويشير المشرف العام على خطة الاستجابة للأزمة الدكتور عاصم ابي علي، الى أنّه «تمّ الاتفاق مع وزير الداخلية على أن يصدر تعميماً يطلب بموجبه من البلديات الاستحصال على معلومات إضافية من النازحين السوريين الموجودين في نطاقها البلدي، مثل تحديد عناوين سكنهم في سوريا والمدن التي نزحوا منها، ثمّ سنجري مطابقة بين هذه البيانات والبيانات الموجودة لدى مفوضية اللاجئين عن النازحين في لبنان، ليصار بعدها الى التواصل مع الدولة السورية وتحديد المناطق الآمنة في سوريا، وعلى أساسها يُعمل على عودة جماعية طوعية تستهدف المناطق الآمنة. وفي الموازاة نعمل على إتمام الأوراق الرسمية المطلوبة لتسجيل الولادات السورية في لبنان، لأنّ 73 في المئة منها غير مسجّلة بعد عام 2015. ولتحقيق ذلك، أعددنا نموذجاً موحّداً لتسجيل الولادات بالتعاون مع وزارتي الداخلية والصحة ومفوضية اللاجئين، وبدأنا نعتمده، إذ من دون تسجيل هؤلاء سيُعتبرون أنّهم مكتومو القيد».