بعد قرار مجلس شورى الدولة بوقف العمل بتعميم مصرف لبنان القاضي بسحب الدولار على سعر 3900 ليرة، أبلغ البنك المركزي أمس المصارف أنه قرر وقف العمل بالتعميم من دون الإعلان عن أي بديل سيتم اعتماده لعملية السحب على سعر صرف الـ3900 ليرة مقابل الدولار.

وقد لاقى هذا القرار موجة غضب كبيرة من المواطنين الذين تسارعوا إلى سحب ودائعهم قبل سريان مفعول القرار، كما تمّ قطع طريق الرينغ وبعض الطرقات في بعض المناطق.

ردّة الفعل هذه أحدثت بلبلة كبيرة مما استدعى بعض الإتصالات التي أدت في ساعة متأخرة من ليل أمس إلى اتجاه مصرف لبنان لتقديم مراجعة الى مجلس الشورى من أجل تعليق قراره القاضي بوقف تنفيذ التعميم 151 الذي يسمح بالسحب من الودائع الدولارية بالليرة على سعر 3900 ليرة للدولار.

 

أصدر مصرف لبنان بياناً أمس للمصارف العاملة في لبنان، اعلن فيه انه «بعد ان تبلغ القرار الإعدادي لمجلس شورى الدولة رقم٢١٣/٢٠٢١٢٠٢٠ نهار اليوم (امس) الواقع فيه ٢/٦/٢٠٢١ ، قرر المصرف المركزي تعليق العمل بالتعميم رقم ١٥١ الذي يسمح للمودعين بسحب اموالهم من حساباتهم بالدولار على سعر ٣٩٠٠ ليرة للدولار استناداً لهذا القرار الإعدادي الصادر عن مجلس شورى».

 

جاءت هذه الصفعة من مجلس الشورى ومن مصرف لبنان تزامنًا مع بداية الشهر، موعد تحويل رواتب واجور كافة الموظفين وتزامنًا مع تجدّد السقوف القصوى للسحوبات النقدية التي تتمّ على سعر صرف الـ3900 والتي تتراوح سقوفها بين 1000 و2000 دولار شهريًا، أي قبل ان يعمد أصحاب الحسابات بالدولار الى سحب ما يحق لهم سحبه بالليرة على سعر الـ3900. ورغم انّ المصارف واصلت العمل بالتعميم بعد صدور قرار مجلس الشورى في 31 نيسان الماضي وابقت عمليات السحب على سعر صرف الـ3900 ليرة قائمة لانها لم تتبلّغ عكس ذلك من مصرف لبنان، فانها اليوم ستعمد بعد تبلّغها تعليق العمل به، ستتوقف عن اجراء السحوبات من الودائع الدولارية على سعر صرف الـ3900 ليرة، سيطلق مجددا شرارة مواجهة شرسة وعنيفة بينها وبين المودعين الذين سيرفضون سحب اموالهم على سعر الصرف الرسمي عند 1507 ليرات بينما يبلغ سعر الصرف في السوق السوداء حدود الـ13 الفا! وقد يشهد الشارع سيناريو مشابها للذي حصل بعد انطلاق ثورة تشرين 2019 والذي دفع المصارف الى الاقفال.

 

ورغم ان قرار مجلس شورى الدولة عادل نظرياً بالنسبة للمودعين، إلا انه سيكون مجحفا في حقهم فعلياً وسيؤدي الى اندلاع أزمة اجتماعية جديدة ونقمة كبيرة تجاه ادارات الدولة والمصارف، كونه لا يوجد مخرج آخر لسحب الودائع بالدولار، وأي حكم قضائي سيفرض تسديد الودائع الدولارية لأصحابها لا يمكن تنفيذه من دون ووجود السيولة النقدية المطلوبة وفي ظل غياب أي خطة إنقاذية لتوزيع الخسائر واعادة هيكلة القطاع المصرفي.

 

في هذا الاطار، اعتبر الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، انّ قرار مجلس شورى الدولة انطلق من حسن نيّة، ولكن من قصور في المعرفة المالية والمصرفية، وعلى اعتبار في الشق الاول انّ المصارف تبيع الدولار اليوم على سعر صرف الـ12000 ليرة وتسدّده للمودعين على سعر صرف الـ3900، علماً انّ تعديل سعر الصرف للسحوبات النقدية ليصبح 12 الف ليرة سيؤدي فعليًا الى انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار في السوق السوداء الى 35 الف ليرة. مع الاشارة الى انّ السحب على سعر صرف الـ3900 ليرة يكبّد مصرف لبنان خسائر دفترية بالليرة اللبنانية تعادل ما بين 3 الى 4 مليارات دولار، نتيجة شرائه الدولارات من المصارف على 3900.

 

واوضح حمود لـ»الجمهورية»، انّ قرار مجلس الشورى وقف تنفيذ العمل بالتعميم 151 هو اجراء مؤقت، قابل للاعتراض، للبحث في الاساس الذي يصدر بعده حكم نهائي غير قابل للطعن. مؤكّداً انّ مصرف لبنان كان يمكن ان يقدّم حتماً اعتراضًا على هذا الاجراء المؤقت ويفنّد الاسباب الموجبة ويسير بالنزاع حول اساس الطعن المقدّم بالتعميم 151، ويطلب تعليق قرار وقف تنفيذ التعميم 151 الى حين البتّ بالاساس.

 

ملف الـ25 ألف دولار!

من جهة اخرى، وفي ما يتعلّق بمبادرة مصرف لبنان لتسديد 25 الف دولار للمودعين، اشار حمود الى انّ كلفة تمويل هذه المبادرة التي ستسدّد 25 الف دولار نقداً بالدولار وما يعادلها بالليرة اللبنانية على سعر السوق، تبلغ حوالى 15 مليار دولار مقسّطة على مدّة 3 سنوات ستكبّد مصرف لبنان 2.5 مليار دولار سنويًا، سيتمّ تأمينها من الاحتياطي الالزامي، والمصارف 2,5 مليار دولار سيتمّ تأمينها من السيولة التي كوّنتها في حساباتها من الخارج (3%). مشيرًا الى انّ الهدف من هذه المبادرة تقليص الطلب على الدولار في السوق، عبر اعطاء المودعين حوالى 400 دولار شهرياً بالاضافة الى الابقاء على السحوبات بالليرة على سعر صرف الـ3900 ليرة، معتبراً انّ هذه الإجراءات بالاضافة الى اقرار الكابيتال كونترول وتطبيق الدولار الطلابي... كفيلة بـ»إلهاء» المواطنين، رغم انّها ستفتح ابواب الاستنسابية في التحويل والتسديد والسرقة من جديد من اموال المودعين الى حين استنزاف كامل احتياطي العملات الاجنبية.