اعتمد المعلم من الإبتدائية الى الثانوية عرّيف الصف لضبط التلاميذ باعتبار العرّيف أسوأ التلاميذ وأكسلهم وأجرأهم على الأساتذة وعلى الإدارة وهو ذو هيبة يخافها المعلمون لذا قرروا ضبطه وامتصاصه بمنحه مسؤولية الصف وإخافة التلاميذ وإعطائه قدراً مهمّاً من مسؤولية المعلم لذا هو تلميذ برتبة معلّم كونه ضابط إيقاع الصف وقد حررت له الإدارة مسؤولية كاملة في المدرسة حتى أن الكثيرين من العرّيفين باتوا يملكون مفاتيح المدرسة بحيث يدخلون ويأتون اليها ساعة يشاؤون ومتى أرادوا فلا من محاسب يحاسب بل ثمّة توكيل شفوي من الإدارة لهم بحرية التصرف في المدرسة .

 


نشطت حركة عريفي الصفوف أثناء الحرب اللبنانية بعد أن تحزّب الكسول والمشاغب وبات أكثر تهديداً للمعلم و للمدرسة لذا ذاع صيت العرّيف قي المدارس ودخلت المدارس في وصاية العريفين بحيث أصبح نفوذهم أقوى من نفوذ المعلمين والمدراء على حدّ سواء .

 


هذا التدبير التعليمي امتدت تجربته لتشمل العمل الحزبي بحيث كرّست الأحزاب السياسية مسؤوليات الأكثر سوءًا من بين المنتمين والمنتسبين وبرزت بشكل واضح في الحروب الداخلية بحيث أن المسؤوليات ذات الطابع الأمني والعسكري أنيطت بأبي الجماجم  و أطرابه وهكذا استمرت الأحزاب في لم شمل المتأخرين علمياً ومعرفياً وفسح المجال لهم كي يكونوا عرفاء التشكيلات الحزبية ولنجاحهم في مهماتهم تمّ اعتمادهم أيضاً في المسؤوليات السياسية بحيث ان من تبقى من أحزاب الحركة الوطنية قد وصل الى مواقع صفوفها الأولى نشطاء في الجريمة ممن كانوا من العريفين .

 

 

إقرأ أيضا : السلطان وسلطة السفيه

 

 


لم تتخل الأحزاب عن عقلية عرّيف الصف بل كرّسته الأحزاب القائمة باعتماده في القيادة المباشرة أو في المجالس التمثيلية بغية ضبط المجتمع ككل ولعدم السماح بقيام رغبة في الدعوة الى الخروج عن الواقع الحزبي المصادر و المسيطر وفعلاً نجحت الإدارة السياسية في ضبط الشارع بواسطة عرّيف الحزب تماماً كما نجحت الإدارة التعليمية في ضبط الصفوف والملاعب من خلال عرّيف الصف .

 


لذا غابت مسؤوليات النخب الحزبية ولم تطلع بأدوارها المناطة بها كونها العقل المدبر والمفكر في الجهاز الحزبي وتمّ إقصاؤها ومن ثمّ إلغاؤها لعدم حاجة الحزب لها إلا كديكور سياسي ملازم لضرورات البنية الحزبية لذا تعطّلت أوجه أدوار النخبة المثقفة داخل وخارج العمل الحزبي حتى أن إزاحته أو استبداله بعرّيف صف قد حصل سواء داخل التشكيلات الحزبية أو في المجال الوظيفي والتمثيلي في بنية الدولة .

 


وهذا ما كرّس أيضاً عرّيف صف داخل الدولة لإعتماد الجهات التمثيلية على العرّيفين الحزبيين الأمر الذي سبب هبوطاً في المستويات المذكورة كافة وهذا خلل قائم في التمثيل الحاصل في المجالس المحلية والنيابية وهذا ما أخلّ بالتجربة اللبنانية التي شهدت في مرحلة ما قبل الطائف شهادة مختلفة تماماً ولا مجال للمقارنة أو للمقاربة سواء كانوا يساريين أو يمينيين وهذا ما يعيب الطوائف النازعة حول العريفين للحفاظ على مصالحهم داخل الطائفة وداخل بنية الدولة .