في ٢٣ أيار الحالي نظّم الحزب القومي السوري ( القومي الاجتماعي في روايةٍ أخرى) عراضة عسكرية في شارع الحمرا وسط مدينة بيروت، وهتف المشاركون بشعاراتٍ تحُضّ على قتل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وتُفاخر بقتل رئيس الجمهورية الراحل الشهيد بشير الجميل، وسط دهشة الوسط السياسي من إطلاق دعواتٍ صريحة للعُنف والقتل والإغتيال، ولو راجعنا تاريخ هذا الحزب منذ نشأته أواسط القرن الماضي، لزالت الدهشة وانتفى الإستغراب، فسجلُّ الحزب القومي السوري حافلٌ بالعنف ومحاولات الإنقلابات العسكرية، ففي العام ١٩٤٩، ولم يكن بعد قد مضى على استقلال لبنان أكثر من ست سنوات، قام الحزب القومي السوري بمحاولة انقلاب عسكري(بعد نجاح حسني الزعيم بانقلاب عسكري في سوريا)، إلاّ أنّ المحاولة باءت بالفشل، وانتهت بحلّ الحزب وإعدام سبعة من أعضائه، بمن فيهم زعيمه أنطون سعادة. وتلك المحاولة جُرّبت مرّةً ثانية، قام الحزب القومي السوري بمحاولة انقلاب عسكري، مع بعض العناصر الناقمة في الجيش، ضد العهد الشهابي، لكنّ المحاولة باءت مرّةً أخرى بالفشل، إذ أنّها سُحقت بسهولة، فحوكم قادتها، وصدرت بحقّهم أحكامٌ مختلفة.

 

 

إقرأ أيضا :في عيد التحرير..الجنوبيون في صفوف الهوان والذل أمام محطات الوقود.

 

 


في خِضمّ الأحداث السياسية الصاخبة التي يمُرّ بها لبنان الحديث والمعاصر، والإنقسامات الحادّة التي أدّت إلى شبه انهيارٍ شامل، لن يلبث أن يقع، إذا استمرّت أزمة الإنسداد الحكومي الواقع اليوم، كان يمكن أن تمُرّ هذه العراضة "العسكرية" بالإحتجاج الصارخ الذي صدر عن حزب القوات اللبنانية وبعض مُناصريه، ومن ضمنها اللجوء إلى القضاء، لملاحقة المرتكبين في تضاهرة الحزب القومي السوري قبل عدّة أيام، والعمل على حلّ الحزب لمُجاهرته بالعنف والدعوة للقتل والإغتيال، لهان الأمر واستقام، حتى صدرت عن رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون رسالة إشادة بالحزب القومي السوري، ورسالته "الوطنية"، وإسهاماته العظيمة في "بناء" لبنان الوطن، وإنجازاته ومثابرته لصيانة وحدة لبنان( ربما تمهيداً لقيام الوحدة القومية السورية المرجُوّة)، وهذا ما استدعى الدهشة والإستغراب من موقف رئاسة الجمهورية، التي بدل أن تستنكر مواقف هذا الحزب "اللاوطنية"، والداعية للعنف والإغتيال، إذ به يعمد للإشادة والتفاخر بمسار هذا الحزب "الإنقلابي" منذ العام ١٩٤٩، مروراً بالعام ١٩٦١، وحتى اليوم. 

 


يبدو أنّ مصاب لبنان كبير، وكبيرٌ جدّاً، بهذه الجوقة الحقوقية-الإعلامية، التي تُحيط برئيس الجمهورية الذي بات على ما يبدو كالزّوج المُغفّل، آخر من يعلم.