أحييك أيها الفلسطينيّ وأشد على يدك (إن ترك لك العدو من يد)، ابتسموا، واصلوا ابتساماتكم أيها الشهداء، أيها المعتقلون، لا أعرف غير الابتسامة وسيلة قهر أبسط تربك عدوّكم. أحيّيكم يا نُبلاء الأرض الوحيدين..
 

مازال الفلسطينيون، يَتَفَننُون في استشهادهم، حدّ أن يُفتتَنَ بِهم المَوت ويختارهم مُكرَّمين. وأصبح كلّ واحد فيهم يذهب إليه بطريقةٍ لم يذهب إليها أحدًا من قَبل. 

 

 

هاهم يقفون اليوم ضدّ موجة العنف الأخيرة بعملية مقاومة نوعيّة على الإطلاق، ويردون القصف بالقصف، والصاروخ بالصواريخ، وعندما يعتقلون يوجهون طلقة الابتسامة في وجه العدو.. أمام الكاميرات. 

 

 

معَ الفلسطينيّ تدرك أنَّ الموتَ يمكن أن يكون مشروعًا انقلابيًا، نتحدى به من يقتلنا، وأن نُجردَ بابتسامةٍ، كلّ ما يملك الآخرون من عتاد وجنود لمواجهتنا، فهي تعطي العدوّ شعورًا بنقص طاقاته التي لن توفرها له الدُوَّل الأخرى الشقيقة في كلّ مُؤامراته وعُدوانه، وبرغم ما لديه من أسلحة جاهزة للدمار، فكلّ أسلحة العالم لا يمكن أن تجبر إنسانًا من أن لا يَبتسم في لحظته الأخيرة أمام عدوّه، كما ليعلن أنه لم يكمل انتصاره عليه. 

 

 

إنّها ظاهرة أدهشت العالم، فالأعداء الذين وجدوا أكثر من طريقةٍ لقتلنا ولم نجد معهم غير فعل الثورة ملجأ للعداء، دهشوا مع الفلسطينيين الذين دونهم لليوم ظلوا يقاومونهم كلّ مرة بطريقة جديدة مستحدثة لا تقل إستراتجية عن خططهم... وابتكاراتهم العشوائيّة للمُقاومة. 

 

 

صدقًا، وحدنا في العالم العربيّ – دون فلسطين-  سمحنا لعدونا بذبحنا بأكثر من طريقة، ولم نواجههم بغير الشعارات والثورات، فأيعقل أن تكونَ الانتفاضات الغاضبة كلّ جُمعة إذًا أكثر جدوىَ من كلّ ثورات العالم أحيانًا؟ 

 

 

كأنما من قال يومًا بأن اسرائيل تحتل العالم العربيّ وحده في الحقيقة عدا فلسطين، كان محقًّا، ذلك لأنّ الثورات يمكن أن تطول وتُستعبد من جديد وأن تصبح حربًا مُوسّعة، بينما الانتفاضات تظل دائمًا سريعةَ الأداء، وخفيفة، وتتجدد باستمرار، بطريقة مختلفة كلّ مرّة لذا لا يمكن القبض عليها، إنّها الطريقة الفلسطينية في تقرير مصيرها.. قبل أن يقرره لها مجلس الأمن فيطالب عن مضض بوقف العدوان بعد كمٍّ من الشهداء راحوا ضحايا. 

 

 

هذه المرة أُذلّتْ إسرائيل مكرهة ولجأت لتختبئ في الملاجئ بذعر صفارات الإنذار، بعدما تظاهر كل العالم ضدها. 

 

 

إنَّ فكرة التبرمج مع الذل ليست في دماء الفلسطينيّ الحرّ، ومن يُحَارَب لأكثر من سبعين سنة يعرف كيف يدافع عن نفسه، إنه صار يفهم نفسيّة العدوّ وربما نقاط ضعفه، وطريقته في التشفي فيه. لذا، يستشفُّ المقاوِم نواياه المضللّة ويذهب للشهادة في رضا الهيّ، يُدهشنا ونحن نراه يموت أمامنا مَرديا بابتسامة. 

 

 

ما أجملها من ابتسامة ! لا تعرف إن كانت تُحيّر العدوّ أم تتهكم منه، إنها ابتسامة أجمل غُموضًا، تختزل الموت والحياة في أنفة واحدة.. 

 

 

تناقلتُ صور الشهداء المبتسمين جميعها واحتفظت بها، إنها دليل انتصار المقاومين. 

 

 

كلّ شهيدٍ، يُهديكَ نصره، وهنالك شهداء، يُهدونكَ ابتساماتهم، ويُعلّقونها في ذاكرتك ولاحقًا في ملامحك وطالِعَ وجهك، حتى أنّك ستبتسم مثلهم في كلّ مرة تنتصر فيها لهم. .  وإن بالكتابة. مُنذها، وأنا أواصل الابتسام كتابةً، حتى أنني أخذت منهم تلك السخرية الكبيرة في مواجهة ما قد يحدث. 

 

 

المحاصِر لا يطمئن أبدًا. يشدو ليله بالمدافع والنيران، ونهاره بأنهار من الدم.. لكنّه يدرك أن الشُّعلة الأخيرة هي في يد الفلسطينيّ فيحاربه ويُجاريه في أرضه، كما ليَستبعِدَ يوم هزيمته أكثر. 

 

 

إننا نحتاج كعرب، الأخذ بوعي الفلسطينيين لإخراج أنفسنا من أَسر الذين يستعبدوننا بوجه آخر، وباسم آخر وبحركة تاريخ آخر لنمدّهم لاحقًا بمفردنا بالوعي التحريريّ القادم لهم بلا شك. 

 

أحييك أيها الفلسطينيّ وأشد على يدك (إن ترك لك العدو من يد)، ابتسموا، واصلوا ابتساماتكم أيها الشهداء، أيها المعتقلون، لا أعرف غير الابتسامة وسيلة قهر أبسط تربك عدوّكم.
أحيّيكم يا نُبلاء الأرض الوحيدين..