غالب الظن انّ رسالة الرئيس ميشال عون الى مجلس النواب تحولت خط تماس اضافياً بين المتمسكين بتكليف الرئيس سعد الحريري والساعين الى انتزاعه منه، فأيّ مصير ينتظرها مع انعقاد الهيئة العامة اليوم على وقع محتواها الحاد؟

من المؤكد انه لن تكون هناك قراءة واحدة لرسالة عون بل ان كل طرف سيفهمها وفق قاموسه الخاص، وبالتالي سيتعامل معها على هذا الأساس. وبهذا المعنى فإنّ جلسة مناقشتها في مجلس النواب، اذا اكتملت فصولها، ستكون مناسبة اضافية لتظهير الحقيقة المعروفة مجددا، وهي ان الدستور مجرد وجهة نظر في لبنان، وليس مرجعية يمكن الاحتكام اليها للتحكيم ومعالجة الخلافات والنزاعات.

 

والمفارقة هنا، انّ رسالة عون لعزل الحريري استندت في كل مرتكزاتها الى بنود الدستور، وكذلك الأمر بالنسبة إلى رد رؤساء الحكومات السابقين عليه الذين يتسلحون بالدستور أيضا للدفاع عن الحريري ومنع اي محاولة لسحب التكليف منه.


 
 

اكثر من ذلك، يعتبر مناصرو الحريري في الطائفة السنية ان رسالة عون ليست فقط مخالفة للقواعد الميثاقية، بل هي تنطوي على استفزاز للطائفة واستهداف مباشر لها، انطلاقاً من كون الرئيس المكلف يمثل الأكثرية السنية بموجب الانتخابات، «واي مسعى لإقصائه عبر محاولة لَي عنق الدستور سيُصنف اعتداء على بيئته وموقعه».

 

واذا كانت قاعدة تيار المستقبل والاوساط السنية عموماً قد رفضت مبدأ اعتذار الحريري عندما شاع اخيرا انه يدرس هذا الخيار، فكيف اذا كان يُراد تنحيته رغماً عنه، من قبل رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر؟

 

أدرك عون مسبقاً انّ وقع رسالته سيكون سلبيا ليس فقط في بيت الوسط وإنما في مقرات أخرى لا تجد اي جدوى منها، ولكن لم يعد بمقدوره، وفق المطلعين، البقاء مكتوف اليدين فيما يمر الشهر تلو الآخر من دون أن يبادر الحريري الى تشكيل الحكومة وفق أسس سليمة، وعلى قاعدة الشراكة الحقيقية. من وجهة نظر هؤلاء، كان على عون أن يتحرك ضمن المساحة التي يجيزها له الدستور وان يحمّل النواب الذين سمَّوا الحريري مسؤولية خيارهم وتبعاته، فإما ان يضغطوا عليه لدفعه الى التشكيل وإما ان يرفعوا الغطاء عنه، وإلا فإنهم سيكونون شركاء معه في تأخير التشكيل وعرقلته.

 

ليس خافياً ان تكليف الحريري بأكثرية نيابية تم غصباً عن عون الذي كان قد حذر النواب عشيّة الاستشارات الملزمة من تداعيات تسمية الحريري «المجرّب»، لكن أغلبيتهم لم تتجاوب مع التحذير الرئاسي وأصرّت على تكليف رئيس تيار المستقبل. اليوم، وبعد مرور اكثر من نصف عام على التكليف، حان الوقت لجردة الحساب. وكان لا بد لعون، في رأي دوائر قصر بعبدا، من ان يعود إلى المربّع الأول اي الى السلطة التشريعية التي فوّضت الحريري، ليصارحها بالحقائق ويضعها أمام مسؤولياتها، لعلها تستخلص العبر الضرورية وتتصرف بموجبها.

 

وعلى رغم انّ الوقت الضائع هو مُكلف بالنسبة إلى عون، اكثر من غيره، لكونه يُقتطع من الجزء الأخير لولايته حيث تضعف القدرة على التعويض، الّا ان احد المطلعين على موقف رئيس الجمهورية يؤكد ان ذلك لا يعني ان يقبل بشروط الحريري، «لأن ليس المهم ان العهد ينتهي بل كيف سينتهي، وبالتالي ليس المهم فقط ان تتشكل الحكومة بل اي حكومة؟».

 

ويلفت المصدر اللصيق بعون الى انه لا تزال لدى رئيس الجمهورية أوراق لمواجهة كل الاحتمالات، «واذا لم تجد الرسالة نفعاً فإن هناك خطوات أخرى هي قيد الدرس، ويمكنه اتخاذها لاحقاً لأنه لا يستطيع أن يبقى متفرجاً على «حرب الاستنزاف» التي يتعرض لها، هو ومجمل الشعب اللبناني، من دون أن يحرّك ساكناً.


 
 

ويشدد المصدر على أن عون «واثق الخطوة يمشي ملكاً»، مشيراً الى انّ حسابات حقل خصومه لن تتطابق مع حسابات البيدر.

 

وتعليقاً على اعتبار البعض بأنّ الرسالة الرئاسية ليست في وقتها، يلفت المصدر الى ان أصحاب هذا الرأي يفترضون أيضاً أن التدقيق الجنائي والإصلاح والمحاسبة وتطوير النظام وتغيير حاكم البنك المركزي بعد وقوع الانهيار المالي هي أمور ليست في وقتها أيضا، تبعاً لساعتهم، مُستنتجاً بأنّ توقيتهم مغاير دائماً لتوقيت القصر الجمهوري.

 

ووفق المصدر القريب من بعبدا، يعلم عون ان الحريري ليس لوحده بل يشكل خط دفاع متقدماً عن تركيبة سياسية هو جزء منها، «وهذا ما يفسر صعوبة المعركة التي يخوضها رئيس الجمهورية».