لا بد من القول لنصر الله أولا ولمحوره ثانيا، أن الانتصار الحقيقي والقوة الحقيقية تكمن أولا وأخيرا في العقول والثقافة والوعي وليست بالصواريخ والبندقية، وأن ما دون ذلك لا يعدو أكثر من بيع صكوك أوهام .
 

كنا نسمع عن العصور الوسطى، وكيف أن الكنيسة كانت تبيع الناس صكوك الغفران، ومساحات في الجنة مقابل اموال يدفعونها، كنت أظن أن في الأمر مبالغة ما، إذ كيف لعاقل يمكن أن تنطلي عليه حيلة الرهبان هذه، وكيف لهم أن يصدقوا هكذا خداع!! 

 

 

لكن للأسف، حين قرأت بالأمس كلمة أمين عام حزب الله، تيقنت أن ما كنا نسمعه عن العصور الوسطى وبيع الاوهام لا يزال هو نفسه وإن بأشكال مختلفة، وأن العصور الوسطى ليست هي مجرد فترة زمنية قضت، وإنما هي عقلية وآليات تفكير قد تستمر وتبقى، ويمكن لأحدهم أن يعيش في تلك العصور الغابرة وهو يعيش في هذا الزمان.

 


 
فقد باع السيد نصرالله بتلكم الكلمة صكوك الانتصارات لجمهوره ولبيئته الحاضنة التي تتضور جوعا وفقرا، واعتبر أن محوره هو المحور المنتصر وأن العدو يعيش حالة من الارباك والاضطراب والضعف، لم يشهد لها مثيلا من قبل !!! 

 

 


الحكاية ليست ها هنا، بل في الأدلة والبراهين التي ساقها نصرالله للتأكيد على مدعاه، وهنا الطامة الكبرى التي تخبرك بما لا يدع عندك مجالا للشك أن العقلية القرنسطية ليست مختصرة على جمهور الحزب وحسب بل إن السيد نفسه لم تتبدل عنده الادبيات والمقاربات السياسية العتيقة، ولا يزال يعيش بأوهام قديمة أكل عليها التاريخ وشرب.

 

 

إقرأ أيضا : ميشال عون يهرب الى التطبيع لانقاذ .. صهره

 

 

فمثلا، لم يتردد نصر الله باعتبار أن سقوط ترامب (ذكرها اكثر من مرة)، وتجدد الادارة الاميركية هي واحدة من علامات القوى لمحوره متناسيا السيد أن الشعب الاميركي هو من اختار ادارته الجديدة وليس محوره، وأن انتقال وتداول السلطة هي من علامة القوة عند الآخر وليس العكس،

 

 


وفي مجال آخر اعتبر نصرالله (متفاخرا) أن نتنياهو يعيش أزمة سياسية كبرى وأنه "مصرّ على رئاسة الحكومة خوفا من المحاسبة" وهذا أيضا هو من علامات القوة عند العدو وليس كما حاول نصر الله سوقه بشكل معاكس،  فالقضاء  الذي يحاسب رئيس وزرائه هو دليل عظمة نظامه المرتكز أساسا على قضاء حقيقي، طبعا لا يمكن لمحور السيد  من ايران ومرورا بنظام الاسد وصولا إلى يمن الحوثي لا يمكن أن يدركوا هذه الحقيقة وأن المسؤول والزعيم وولي الأمر هو تحت القانون وتحت المحاسبة، وهذا سبب وهن ما نحن فيه وما نعيشه بالواقع.

 


 
أما ما يثير الدهشة حتى الغرابة، فحين اعتبر السيد نصر الله أن اسرائيل تعيش "ازمة قيادة"، وكأنه لم يتعلم بعد أن في النظم الديمقراطية وعند المجتمعات الراقية لا قيمة ولا أهمية للاشخاص، وأن قوة هذه الشعوب وعظمتها إنما هي لأنها تعتمد على سيادة القوانين والدساتير وليس الاشخاص مهما بلغ شأنهم ودورهم، فلا حاجة عندهم "للقائد التاريخي" ولا "للزعيم الاسطوري" فلا وجود عند المجتمعات المتحضرة للشعارات البالية من أمثال " لبيك يا ... " ولا "بالدم بالروح نفديك يا ... " فهذه المفاهيم لم تعد موجودة الا عند المجتمعات المتخلفة والدول الفاشلة 

 


ختاما لا بد من القول لنصر الله أولا ولمحوره ثانيا، أن الانتصار الحقيقي والقوة الحقيقية تكمن أولا وأخيرا في العقول والثقافة والوعي وليست بالصواريخ والبندقية، وأن ما دون ذلك لا يعدو أكثر من بيع صكوك أوهام .